مقدمة المصنف لعروس الأفراح
  
  إلى ما انضم إلى ذلك من فراق لذلك الوالد استولى على الجسد فهد قواه، ورمى القلب بسهام الوجد فأصماه، وشارفه باستيفاء أقسام الحزن عاملا على مباشرة سهمى رقيبه ومعلاه. فانصرفت آمال النفس عن الأماني وانحرفت عما كان يعز عليها من معالى المعاني.
  قد كنت أشفق من دمعي على بصرى ... فاليوم كلّ عزيز بعدهم هانا
  إلى استغراق الزمان بذكر الدروس التي هي لغير هذا العلم موضوعة، والأخذ في تصانيف في الفقه وأصوله نرجو إكمالها إن شاء الله تعالى وتكميل ما شرع فيه من الخير سنة مشروعة، فليت شعري هل تفضل من العمر
  عن هذه الشواغل بقية؟ وهل دون هذه السهام القواتل من تقية؟ غير أنه قد أسعفت الألطاف الإلهية، وأسعدت العناية المحمدية(١) حتى وضعت لهذا الكتاب شرحا ليس غائب الرسم فأعرفه بالحد، ولا مجانب الوسم فأصفه بما يوجب القبول أو الرد، بل هو بادي الصفحة، مدرك باللمحة، وها أنا قد أخرجته عن يدي وجعلته موقوفا في سوق الاعتراض، مصروفا لمن يستحق منافعه وهو المبرأ من أمراض الأغراض، فمن نظر بعين الإنصاف، واعتبر وهو مصاف، وله بصحة الذهن اتصاف، علم أهو جدير بأن ينبذ بالعراء ويهجر هجر واصل للراء؟ أم هو حقيق بأن تضرب له أيدي النجباء آباط النجائب، وتعقد الخناصر على ما فيه من عجائب المحاسن ومحاسن العجائب؟ فإن تصفح الناظر فيه الغلط فليصفح ولا يكن من أناس بالأغاليط يفرحون، وليصلح ما يجده فاسدا فإن الله تعالى ذم رهطا قال فيهم: {يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ}(٢)، وإن رآه أمثل مما فرح الطلاب بجمعه من كلام كثيرين فليعوذه بقوله تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}(٣). وكأني بمن لا يعرف من التحقيق قبيلا من دبير، ولا هو من التدقيق في العير ولا في النفير، ولا تملك يده من هذا العلم قطميرا، وإن بسط ذراعيه بوصيد كهف العلم كأنه قطمير، يجد في كتابي هذا قواعد مخترعة، ومعاقد هي في بادئ الرأي هاذمة لقواعد المتقدمين وإنما هي عند التأمل والتحقيق من كلامهم منتزعة، وركوب لجة ما ركبها السابحون،
(١) هذا مما تسلل إلى الشيخ من عقيدة المتصوفة التي كانت سائدة في ذلك العصر.
(٢) سورة النمل: ٤٨.
(٣) سورة يونس: ٥٨.