الفن الأول: علم المعاني
  ... ... .....
  قلت: وفى تسمية هذا تغليبا نظر، إنما فيه مراعاة المعنى. ومن تغليب المخاطب على غيره قوله تعالى: {لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا}(١) فأدخل عليه الصلاة والسّلام في لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا بحكم التغليب ولم يكن في ملتهم أصلا، ونظيره قوله تعالى: {إِنْ عُدْنا فِي مِلَّتِكُمْ}(٢). ومن التغليب قوله تعالى: {اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}(٣) فإن لعلكم متعلق في المعنى بخلقكم، والمراد بتتقون هو والذين من قبلهم.
  ومن تغليب العاقل على غيره قوله تعالى: {وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ}(٤).
  (تنبيه): للتغليب بالتثنية مواضع كثيرة فمنها قولهم: أبوان، للأب والأم، وفيه تغليب المذكر على المؤنث، ومنها: الخافقان، ذكره السكاكى وغيره وهما المشرق والمغرب، فإن الخافق حقيقة هو المغرب، على أن تسمية المغرب خافقا مجاز؛ لأن المغرب ليس خافقا بل مخفوق فيه، ومن التغليب العمران لأبى بكر وعمر، قال ابن الشجري: ومن زعم أنهم أرادوا بالعمرين عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز فليس قوله بشئ؛ لأنهم نطقوا بالعمرين من قبل أن يعرفوا عمر بن عبد العزيز، ويروى أنهم قالوا لعثمان ¥: نسألك سيرة العمرين، وإليه ذهب أبو عبيدة، ونقل في إصلاح المنطق عن قتادة أنه سئل عن عتق أمهات الأولاد فقال: أعتق العمران فما بينهما من الخلفاء أمهات الأولاد، فأراد عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز، فلا تغليب.
  ومنها ما نقله الحاتمي عن الأصمعي قوله:
  ألا من بلّغ الحرّين عنّى ... مغلغلة أخصّ بها أبيّا(٥)
  وإنما هما الحر وأبى؛ أخوان، ومنها قولهم: البصرتان، للبصرة والكوفة، وقول قيس بن زهير:
(١) سورة الأعراف: ٨٨.
(٢) سورة الأعراف: ٨٩.
(٣) سورة البقرة: ٢١.
(٤) سورة الشورى: ١١.
(٥) البيت من الوافر، وهو للمنخّل اليشكري في الأغانى ٢١/ ١٠، ويروى شطره الثاني مختلفا فيقول:
ألا من مبلغ الحرين عنى ... بأن القوم قد قتلوا أبيا.