الفن الأول: علم المعاني
  .. ... .....
  وفهم الشيخ أبو حيان منه أنه أراد أن الجواب محذوف، فرد عليه بما ذكرناه، وفى رده نظر؛ لأن الزمخشري قد اعتذر عن ذلك بأن قال: إنه حمل تكونوا على كنتم، فهو لا يسلم أن فعل الشرط المضارع المحمول على الماضي لا يحذف جوابه، وليس في كلام غيره تصريح بذلك. ثم إنه لم يذكر أن الجواب محذوف، فجاز أن يكون فرعه على جواز (إن يصرع أخوك تصرع) جوابا مع كونه مرفوعا كما هو أحد المذهبين فيه، والسر في كون جملتى الشرط والجواب فعليتين مستقبلتين أن الماضي محقق وجوده أو عدمه، فإن قلت:
  قوله سبحانه وتعالى: {إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ}(١) إلى {إِنْ وَهَبَتْ}(٢) وقع فيه أحللنا المنطوق به، أو المقدر على القولين جواب الشرط مع كون الإحلال قديما فهو ماض. قلت:
  المراد إن وهبت فقد حلت فجواب الشرط بالحقيقة الحل المفهوم من الإحلال، لا الإحلال نفسه، وهذا كما أن الظرف من قولك: قم غدا، ليس هو لفعل الأمر بل للقيام المفهوم منه.
  والأمر الثاني الذي يأتي على خلاف ذلك أن تأتى جملة الجواب اسمية كقوله تعالى: {أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخالِدُونَ}(٣) وإنما كان على خلاف الأصل؛ لأن الاسم دال على الثبوت والتحقق، والتعليق ينافي ذلك.
  واعلم أن كلا من فعلى الشرط والجواب قد يكون ماضيا لفظا أو مضارعا مثبتا أو منفيا فيحصل من مجموع الفعلين تسعة أقسام كلها جائز، إلا أن في كون فعل الشرط مضارعا مع كون فعل الجواب ماضيا خلافا، منعه جماعة، وجوزه ابن مالك استدلالا بقول عائشة ^: «متى يقم مقامك رق»(٤) وأحسنها المشاكلة
(١) سورة الأحزاب: ٥٠.
(٢) سورة الأحزاب: ٥٠.
(٣) سورة الأنبياء: ٣٤.
(٤) قالت أم المؤمنين هذا الكلام عندما قال ﷺ وهو على فراش المرض: «مروا أبا بكر أن يصلى بالناس ...»، أخرجه البخاري في «الأذان»، باب: الرجل يأتم بالإمام ويأتم الناس بالمأموم، (٢/ ٢٣٩)، (ح ٧١٣)، وفى غير موضع، ومسلم في «الصلاة»، (ح ٤١٨) وأحمد في «المسند»، (٦/ ١٥٩)، واللفظ له.