الفن الأول: علم المعاني
  
  ويشهد له النقل، قال القاضي عياض في المشارق: نفد: أي: فرغ وفنى، قال تعالى: {لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي}(١)، ومثله الحديث: «حتى نفد ما عنده»(٢).
  ونقل ابن الأثير عن أبي حاتم في حديث القيامة: «ينفدهم البصر»(٣) أنه بالمهملة، وأن معناه يبلغ أولهم وآخرهم ويستوعبهم. اه. ويقال: استنفد وسعه: أي: استفرغه، وقال الصاغاني: الانتفاد: الاستيفاء. وفى المحكم عن الزجاج: {ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ}(٤) معناه: ما انقطعت، والمنافد الذي يحاج صاحبه حتى تنقطع حجته فتنفد، وكذلك قال الأزهري، وقال تعالى: {إِنَّ هذا لَرِزْقُنا ما لَهُ مِنْ نَفادٍ}(٥) أي فراغ.
  الثانية: إذا كان جواب (لو) قضيتين إحداهما منفية، والأخرى مثبتة؛ فإنها تدل على امتناع مجموع النفي والإثبات، فإذا قلت: (لو جاء زيد لأكرمته وما صحبته)، دل على أنه بتقدير ثبوت المجئ يثبت مجموع الأمرين، ودل على امتناع المجئ وأن امتناعه أوجب امتناع المجموع من ثبوت الإكرام ونفى الصحبة، فلا يدل ذلك على أن الإكرام لم يقع والصحبة قد وقعت، بل صدق امتناع وقوع الإكرام ونفى الصحبة، يحصل بذلك ويحصل بأن لا يقع واحد منهما، ويحصل بأن يقعا معا، وهذه قضية قطعية؛ لأن الإثبات الكلى إنما يناقضه السلب الجزئي، وحاصله أن (لو) تقتضى امتناع مجموع ما دخلت عليه، ومجموع جوابها، لا امتناع كل فرد من أفراد كل منهما. ألا ترى إلى قوله تعالى: {وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها}(٦)، {وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ}(٧)، {وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى}(٨) فإن الممتنع في كل ذلك هو المجموع لا كل فرد.
(١) سورة الكهف: ١٠٩.
(٢) من كلام أبي سعيد الخدري ¥ عندما أتى أناس من الأنصار فسألوا رسول الله ﷺ حتى نفد ما عنده ... أخرجه البخاري في «الزكاة»، باب: الاستغفار عن المسألة، (٣/ ٣٩٢)، (ح ١٤٦٩)، ومسلم في «الزكاة»، (ح ١٠٥٣).
(٣) الحديث أخرجه البخاري في «أحاديث الأنبياء» باب: يزفون: النّسلان في المشي (٦/ ٤٥٥)، (ح ٣٣٦١)، ومسلم في «الإيمان» (ح ١٩٣)، من حديث أبي هريرة ¥ قال: «أتى النبي ﷺ يوما بلحم، فقال: إن الله يجمع الأولين والآخرين يوم القيامة في صعيد واحد، فيسمعهم الداعي وينفذهم البصر ...» الحديث.
(٤) سورة لقمان: ٢٧.
(٥) سورة ص: ٥٤.
(٦) سورة السجدة: ١٣.
(٧) سورة النحل: ٩.
(٨) سورة الأنعام: ٣٥.