الفن الأول: علم المعاني
  عبد القاهر: لا تحسن في المختصّ؛ كما تحسن في غيره؛ وهذا أقرب.
  وأصل الثاني: أن يكون ما استعمل له مما يجهله المخاطب وينكره، بخلاف الثالث؛ كقولك لصاحبك - وقد رأيت شبحا من بعيد -: ما هو إلا زيد إذا اعتقده غيره مصرّا.
  وقد ينزّل المعلوم منزلة المجهول لاعتبار مناسب؛ فيستعمل له الثاني إفرادا؛ نحو: {وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ}(١) أي: مقصور على الرسالة لا يتعداها إلى التبرّى من الهلاك، نزّل استعظامهم هلاكه منزلة إنكارهم إياه،
  أحدهما: أنه إذا لم يكن الموصوف مختصا بالوصف، لا يجوز الحصر بإنما؛ لأنه خلاف الواقع فإن كان مجازا فلا مانع من تأكيده بالعطف، وكأنه يريد اختصاصه عقلا.
  الثاني: أنه إذا صح قصره بإنما، فما المانع من صحة العطف؟ والشيخ عبد القاهر جعل ذلك شرطا في حسن العطف، لا في جوازه واستقر به المصنف، ولا شك في قربه بالنسبة إلى عدم اشتراط ذلك.
  ص: (وأصل الثاني أن يكون ما استعمل ... إلخ).
  (ش): هذا وجه آخر وهو أن الحصر بالاستثناء أصله أن يكون المخاطب يجهل ما استعمل له، وهو إثبات الحكم المذكور إن كان قصر إفراد، أو نفيه إن كان قصر قلب، كما تقول لصاحبك: إذا رأيت شبحا على بعد: ما هو إلا زيد، ومثاله في القرآن: {وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا اللَّهُ}(٢) هذا هو الأصل، وقد يخرج عن ذلك فينزل المعلوم منزلة المجهول لاعتبار مناسب، فيستعمل له القصر بما وإلا إفرادا نحو: {وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ} فإنه خطاب للصحابة، وهم لم يكونوا يجهلون رسالة النبي إلا أنه نزل استعظامهم له على الموت تنزيل من يجهل رسالته؛ لأن كل رسول لا بد من موته، فمن استبعد موته فكأنه استبعد رسالته، وهذا هو الصواب، وبه يظهر أن هذا قصر قلب، لا قصر إفراد؛ فإن اعتقاد الرسالة وعدم الموت لا يجتمعان، وإنكارهم الموت ينفى أن يجتمع معه الإقرار بالرسالة، حتى يكون قصر إفراد، وبهذا يعلم أن ما قلناه خير من قول غيرنا: إنهم نزلوا لاستعظامهم موته منزلة من ينكر موته، ويثبت له صفتي الرسالة وعدم الموت؛ فيكون قصر إفراد؛ لأن ما ذكرناه لا يؤدى إلى أنهم نزلوا منزلة من يعقد أمرين متنافيين، ومثل المصنف لتنزيل
(١) سورة آل عمران: ١٤٤.
(٢) سورة آل عمران: ٦٢.