عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح،

بهاء الدين السبكي (المتوفى: 763 هـ)

الفن الأول: علم المعاني

صفحة 414 - الجزء 1

  . ... ... ... ... .....


  (تنبيه): مقتضى عبارة المصنف والشارحين أن القصر يدور بين الفاعل وبين المفعول الأول والثاني، ونحوه، وفيه نظر فقد يقال: بل هو أبدا في الجملة الفعلية دائر بين الفعل والمقصور عليه، فيكون بين الفعل والفاعل، وبين الفعل والمفعول، وعلى هذا ويشهد له عبارة المصنف في الإيضاح حيث قال: لاستلزامه قصر الصفة قبل تمامها، والمعنى يشهد لذلك فإن المقصور المصدر المستفاد من الفعل لا الفاعل.

  (تنبيه): قال المصنف في الإيضاح: وقيل إذا أخر المقصور عليه والمقصور عن إلا، وقدم المرفوع كقولنا: ما ضرب إلا عمرو زيدا، فهو كلامان، التقدير ما ضرب أحد إلا عمرو، وزيدا المذكور منصوب بفعل محذوف، كأنك قلت: ما ضرب إلا عمرو، أي: ما وقع ضرب إلا منه، ثم قيل: من ضرب؟ فقلت: زيدا، أي: ضرب زيدا، كما سبق في قوله:

  ليبك يزيد ضارع لخصومة

  قال المصنف: وفيه نظر لاقتضائه الحصر في الفاعل والمفعول معا قلت: فيه نظر؛ لأنه إنما يقتضى حصر الفاعلية فقط، لا حصر المفعولية، ولو اقتضى حصر المفعولية لحملنا ذلك على أنه بعامل مقدر لا بالأول فلا معية ثم نقول: ما ذكره المصنف ينبنى على أنه هل يجوز أن يستثنى بأداة واحدة دون عطف شيئان أو لا؟ وقد تكلم الوالد | على ذلك في كتاب الحلم والأناة في تفسير: {غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ} وها أنا أذكر شيئا منه قوله تعالى: {لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ}⁣(⁣١) المختار أن يؤذن لكم حال، والباء مقدرة، وغير ناظرين حال ثان، وجوز الشيخ أبو حيان أن الباء للسببية، ولم يقدر الزمخشري حرفا، بل قال: (أن يؤذن) في معنى الظرف، أي: وقت أن يؤذن، وأورد عليه أبو حيان أن المصدر لا يكون في معنى الظرف، وإنما ذلك في المصدر الصريح، نحو: أجيئك صياح الديك، ويمتنع من جهة المعنى أن يكون (غير ناظرين) حالا من يؤذن، وإن صح من جهة الصناعة. قال الزمخشري: وقع الاستثناء على الوقت والحالة معا، كأنه قيل:

  لا تدخلوا إلا وقت الإذن، ولا تدخلوا إلا غير ناظرين، فورد عليه أنه يكون استثناء ظرف وحال بأداة واحدة، والظاهر أنه قال: ذلك تفسير معنى قوله: وقع الاستثناء على


(١) سورة الأحزاب: ٥٣.