الفن الأول: علم المعاني
  . ... .....
  الواقع منهما في الوجود وهو أحدهما لا بعينه، فقول السكاكى: أو الانتفاء، ليس معناه أو طلب تعيين الانتفاء، بل المراد طلب تعيين أحدهما، وإنما بدر الدين فهمه على غير وجهه، وكيف يتخيل أن يطلب بالاستفهام إحدى النسبتين بعينهما، فحينئذ القولان اللذان ذكرهما بدر الدين فاسدان؟ فإن قلت: لعل صاحب المصباح أراد الإثبات والنفي اللفظيين. قلت: ذلك بعيد من كلامه، وإن أراد ذلك فممنوع، فإنه يصح لك أن تقول: ألم يقم زيد، ولعل الذي أوقعه فيه أن غالب ما ورد من ذلك ليس على بابه، بل التوبيخ أو التقرير مثل: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكافٍ عَبْدَهُ}(١)، {أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً}(٢)، {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ}(٣)، وقول الشاعر:
  ألم يأتيك والأنباء تنمى ... بما لاقت لبون بنى زياد(٤)
  وقوله:
  ألستم خير من ركب المطايا ... وأندى العالمين بطون راح(٥)
  ولكن يرد عليه قوله تعالى: {أَفَلا تُبْصِرُونَ}(٦) فقد تقدم أن تقديره عند سيبويه، أم أبصرتم وأنها متصلة، وإذا كانت متصلة كان الاستفهام على بابه، ويرد عليه إجماعهم على أقام زيد أم لم يقم، فإن لم يقم مستفهم عنه، سواء كانت متصلة أم منقطعة، وقد صرح الجزولى وغيره بوقوع الاستفهام المحض عن النفي، وإنما خالف في ذلك أبو علي الشلوبين فمنعه، ورد عليه ابن مالك في باب لا بقوله:
  ألا اصطبار لسلمى أم لها جلد ... إذا ألاقى الّذى لاقاه أمثالي(٧)
(١) سورة الزمر: ٣٦.
(٢) سورة الكهف: ٧٥.
(٣) سورة الرعد: ٤٤.
(٤) البيت من الوافر، وهو لقيس بن زهير في الأغانى ١٧/ ٢٠١.
(٥) البيت من الوافر، وهو لجرير في ديوانه ص ٨٥، ٨٩، والجنى الداني ص ٣٢، وشرح شواهد المغنى ١/ ٤٢، ولسان العرب ٧/ ١٠١ (نقص)، ومغنى اللبيب ١/ ١٧، وبلا نسبة في الخصائص ٢/ ٤٦٣، ٣/ ٢٦٩، ورصف المباني ص ٤٦، وشرح المفصل ٨/ ١٢٣، والمقتضب ٣/ ٢٩٢.
(٦) سورة الزخرف: ٥١.
(٧) البيت من البسيط: لقيس بن الملوح في ديوانه ص: ١٧٨، وجواهر الأدب ص ٢٤٥، وخزان الأدب (٤/ ٧٠)، وتاج العروس (ألا).