عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح،

بهاء الدين السبكي (المتوفى: 763 هـ)

الفن الأول: علم المعاني

صفحة 455 - الجزء 1

  والإنكار: إمّا للتوبيخ، أي: ما كان ينبغي أن يكون؛ نحو: أعصيت ربّك؟ أو لا ينبغي أن يكون؛ نحو: أتعصى ربّك؟ أو للتكذيب، أي: لم يكن؛ نحو: {أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ}⁣(⁣١)، أو لا يكون؛ نحو: {أَنُلْزِمُكُمُوها}⁣(⁣٢)


  أحدهما: يراد به التوبيخ، وهو من أنكر عليه إذا نهاه، أي ما كان ينبغي أن يكون هذا نحو: أعصيت ربك؟ أي: بمعنى لا ينبغي أن يكون، كقولك للرجل يركب الخطر: أتركب في غير الطريق؟ والغرض منه الندم على ماض والارتداع عن مستقبل، ويقال: أين مغيبك للتوبيخ والتقريع؟ قال تعالى: {أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ}⁣(⁣٣) وضابط هذا القسم أن يكون ما يلي الهمزة فيه واقعا، لكنه مستقبح. الثاني: للتكذيب، وضابطه أن يكون ما يلي الهمزة فيه غير واقع وقصد تكذيبهم فيه، وسواء أكان زعمهم له صريحا مثل: {أَفَسِحْرٌ هذا}⁣(⁣٤)، أم إلزاما مثل: {أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ}⁣(⁣٥) فإنهم لما جزموا بذلك جزم من شاهد خلق الملائكة كانوا كمن زعم أنه شهد خلقهم، وتسمية هذا استفهام إنكار من أنكر إذا جحد، وهو إما بمعنى لم يكن كقوله تعالى: {أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً} أو بمعنى لا يكون، نحو: {أَنُلْزِمُكُمُوها}، وقوله:

  أأترك إن قلّت دراهم خالد ... زيارته إنّى إذا للئيم

  ويقال: متى قلت للجحد، وحمل الزمخشري تقديم الاسم في قوله تعالى: {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} وقوله تعالى: {أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ}⁣(⁣٦) على أن المعنى: أفأنت تقدر على إكراههم على سبيل القصد؟ أي: إنما يقدر على ذلك الله، ولم يقدر السكاكى فيه تقديما، بل جملة على الابتداء دون تقدير التقديم كما هو أحد الاحتمالين اللذين ذكرهما في: أنا قمت، فلا يفيد غير تقوى الحكم، ونقل في الإيضاح عن السكاكى أنه قال: إياك أن تغفل عما سبق في: أنا ضربت من احتمال الابتداء، واحتمال التقديم، وتفاوت المعنى بينهما، فلا تحمل قوله تعالى: {آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ}⁣(⁣٧) على التقديم، فليس المراد أن الإذن ينكر من الله دون غيره، ولكن احمله على الابتداء مرادا به تقوية حكم الإنكار.


(١) سورة الإسراء: ٤.

(٢) سورة هود: ٢٨.

(٣) سورة القصص: ٦٢.

(٤) سورة الطور: ١٥.

(٥) سورة الزخرف: ١٩.

(٦) سورة الزخرف: ٤٠.

(٧) سورة يونس: ٥٩.