عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح،

بهاء الدين السبكي (المتوفى: 763 هـ)

مقدمة في أهمية علم البلاغة

صفحة 47 - الجزء 1

  إذ به تعرف دقائق العربية وأسرارها، وتكشف عن وجوه الإعجاز في نظم القرآن أستارها،


  أَنْفُسِكُمْ}⁣(⁣١) على قراءة فتح الفاء أي من النوع الأنفس، ولا يكون من النوع الأول؛ لأنه ليس له من يساويه في النفاسة، فلو أراد ذلك المعنى لقال: أنفسكم دون «من» فليتنبه لهذه الدقيقة.

  وعبارة السكاكى: أن هذا أعظم العلوم، وكأن المصنف أتى بمن خلافا له، وقد يوجه كلام السكاكى بأنه إذا كانت وجوه الإعجاز لا تدرك إلا بهذا العلم - كما ادعوه - صدق أنه أعظم العلوم؛ لتأديته إلى علم الأصول الشرعية، وقوله: (وأدقها سرا) سيأتي بيانه، وأتى المصنف بالطباق لمضادة الأجل للأدق، ثم شرع في تعليل ذلك فقال:

  ص: (إذ به تعرف دقائق العربية وأسرارها، ويكشف عن وجوه الإعجاز في نظم القرآن أستارها).

  (ش): اعلم أن علم العربية على ما قال الزمخشري، يرتقى إلى اثنى عشر علما، غير أن أصولها أربعة: اثنان يتعلقان بالمفردات هما: اللغة، والتصريف، ويليهما الثالث وهو: علم النحو، فإن المركبات هي المقصود منه، وهى كالنتيجة لهما، ثم يليها علم المعاني، ولعلك تقول: أي فائدة لعلم المعاني فإن المفردات والمركبات علمت بالعلوم الثلاثة، وعلم المعاني غالبه من علم النحو؟ كلا إن غاية النحوي أن ينزل المفردات على ما وضعت له، ويركبها عليها، ووراء ذلك مقاصد لا تتعلق بالوضع مما يتفاوت به أغراض المتكلم على أوجه لا تتناهى، وتلك الأسرار لا تعلم إلا بعلم المعاني، والنحوى وإن ذكرها فهو على وجه إجمالى يتصرف فيه البياني تصرفا خاصا لا يصل إليه النحوي وهذا كما أن معظم أصول الفقه من علم اللغة، والنحو، والحديث، وإن كان مستقلا بنفسه.

  واعلم أن علمي أصول الفقه والمعاني في غاية التداخل؛ فإن الخبر والإنشاء اللذين يتكلم فيهما علم المعاني، هما موضوع غالب الأصول، وإن كل ما يتكلم عليه الأصولى من كون الأمر للوجوب، والنهى للتحريم، ومسائل الأخبار، والعموم والخصوص،


(١) سورة التوبة: ١٢٨.