الفن الأول: علم المعاني
  . ... ... .....
  أن يكون غير محسوس وهو الوهمي فإنه يحكم بالمعاني غير المحسوسة حكما كاذبا، وإن كان محسوسا فهو الخيالي فإن القوة الخيالية هي الحافظة لصور المحسوسات بالحواس الظاهرة بعد مفارقتها، وبدأ المصنف بالعقلي لأنه الذي يدرك الأشياء على حقيقتها، وها أنا أذكر أمثلة الجامع العقلي الحقيقي، قسم المصنف الجامع إلى عقلي وغيره، وقسم العقلي إلى ما هو سبب الاتحاد في التصور وغيره، والمراد بالاتحاد في التصور أن يكونا شيئا واحدا حقيقة بالشخص والنوع، وها أنا أذكر لك أمثلة لتستدل بها على غيرها. الاتحاد المذكور إما في الطرفين أو في المسند أو في المسند إليه أو لا في واحد منهما بأن يكون الجامع غير الاتحاد الأول في الطرفين، مثاله: قام زيد أمس وقام زيد أمس مريدا بذلك قياما واحدا، وقام زيد أمس ثم قام زيد أمس وصم غدا وصم غدا أو ثم صم غدا. وهذا يستعمل لقصد التأكيد حتى يفهم السامع أن ذلك من شأنه أن يتكرر الإخبار به أو يتكرر طلبه؛ لأن الإخبار بالشئ مرتين أو طلبه مرتين كان مؤسسة لنسبته إخبارا أو إنشاء لقصد تقرير فائدة الخبر وتأكيد الطلب بطلب آخر أبلغ، فإن قلت: إذا كان للتأكيد فلا تعطف كما سبق؟ قلت: لم أرد أن الجملة الثانية مؤكدة بل هي تأسيس والتأكيد وقع في تكرار التأسيس وهذا أبلغ من التأكيد فإن التأكيد يقرر إرادة معنى الأول وعدم التجوز والعطف يحصل بتكرار الإسناد وفائدته زيادة تقرير لثبوت النسبة أو طلبها، وفائدة التأكيد تقرير الإخبار بالنسبة ولا أقول بذلك مطلقا بل حيث لا إلباس بأن يكون المخبر به أو المطلوب لا يقبل التكرار مثل: صمت أمس وصمت أمس، أو صم غدا وصم غدا، فإن توقفت في صحة هذا التركيب فعليك بقوله تعالى: {كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ}(١)، وفى كلام الزمخشري ما يومئ إلى أن الثانية تأسيس لا تأكيد؛ لأنه جعل الثانية أبلغ في الإنذار وبقوله ø: {وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ}(٢)، ومنه قوله ﷺ: «إن بنى هشام بن المغيرة استأذنونى أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب، فلا آذن ثم لا آذن ثم لا آذن»(٣)، وقوله تعالى:
(١) سورة التكاثر: ٣.
(٢) سورة الانفطار: ١٧ - ١٨.
(٣) أخرجه البخاري في «النكاح» (ح ٥٢٣٠)، ومسلم (ح ٢٤٤٩).