الفن الأول: علم المعاني
  أو شبه تضادّ؛ كالسماء والأرض، والأول والثاني؛ فإنه ينزّلهما منزلة التضايف؛ ولذلك تجد الضّدّ أقرب خطورا بالبال مع الضدّ.
  أو خيالىّ: بأن يكون بين تصوّريهما تقارن في الخيال سابق، وأسبابه مختلفة؛ ولذلك اختلفت الصور الثابتة في الخيالات ترتّبا ووضوحا؛ ولصاحب علم المعاني فضل احتياج إلى معرفة الجامع، لا سيّما الخيالىّ؛ فإنّ جمعه على مجرى الإلف والعادة.
  ابن سينا في الشفاء؛ لأنا نقول: الممتنع على هذا القول تصورهما مجتمعين، وأما تصورهما في وقت واحد منفردين فلا يمتنع إلا إذا قلنا: إن العلم يستحيل أن يتعلق بأمرين في وقت واحد؛ لكن المصنف لا يريد ذلك؛ لأن القول به لا اختصاص له بالضدين، بل في كل أمرين مطلقا ولو قال: أو يكون المسند إليهما أو المسندان متضادين، سلم من هذا؛ وإنما كان التضاد جامعا؛ لأن الوهم ينزلهما منزلة المتضادين اللذين يلزم من تصور
  أحدهما تصور الآخر.
  (قوله: أو شبه تضاد)، أي: يكون بين تصورهما شبه تضاد وعليه من السؤال ما سبق فينبغي أن يقول: أو يكون بين الشيئين شبه تضاد (كالسماء والأرض) وإنما لم يحكم عليهما بالتضاد، لأنهما لا يتعاقبان على محل، وليسا بعرضين؛ ولكنهما يشبهان المتضادين لما بينهما من الاختلاف (و) من شبه التضاد (الأول والثاني) وينبغي أن يعد منه الأبيض والأسود - كما سبق - وإنما عد الأول والثاني من شبه التضاد ولم يعدا متضادين؛ لأن في كل منهما قيد العدم؛ لأن الأول ما لم يسبقه غيره والثاني ما سبقه واحد فقط، والضدان لا يكونان عدميين، (قوله: فإنه)، أي: لأن الوهم (ينزلهما) أي الضدين (منزلة التضايف) ينبغي أن يقول: منزلة المتضايفين أو يقول: ينزل المضادة منزلة التضايف (ولذلك تجد الضد أقرب خطورا بالبال مع الضد) كالسواد والبياض.
  وأما الخيالي فهو أن يكون بين تصوريهما تقارن في الخيال سابق أي سابق في الخيال، والخيال قوة حافظة لما يدركه الحس المشترك. وينفرد الخيالي عن العقلي والوهمى؛ بأن في العقلي علاقة حقيقية - كما سبق - وفى الوهمي علاقة اعتبارية حاصلة في ذات تلك المقارنات، وأما الخيالي فإنها صور تثبت في قوة الخيال وتصل إليها من الحواس وإن كانت تلك الأشياء بحسب ذلك الشخص؛ لكونه كثير الاستعمال لها في خياله؛ لكثرة مشاهدتها واشتمال حواسه الظاهرة عليها؛ ولذلك كثر الاختلاف في ثبوت الصور في الخيالات، وربّ شيئين يجتمعان في خيال زيد دون خيال عمرو، لملابسته