الفن الأول: علم المعاني
  نحو [من الطويل]:
  خرجت مع البازي علىّ سواد
  للاتصال فلا يصلح الضمير حينئذ أن يستقل بإفادة الربط فتجب الواو، ثم نقل عنه أيضا تفصيلا آخر وهو أنك إذا قلت: جاء زيد على كتفه سيف، على أن يكون: على كتفه سيف حالا، كثر فيه ترك الواو. يعنى إذا كان الخبر ظرفا مقدما، كقول بشار:
  خرجت مع البازي على سواد(١) ... إذا أنكرتني بلدة أو نكرتها
  يعنى إذا أنكرني أهل بلدة، خرجت مع الصبح على بقية من الليل، والبازي الصبح كذا قالوه، وقد يقال: كيف يجتمع أن يكون خرج مع الصبح عليه بقية من الليل؟
  والليل ينقضى بطلوع الصبح، إلا عند من يقول: الليل إلى الشمس، وكذا قوله:
  في رأس غمدان دارا منك محلالا(٢) ... واشرب هنيئا عليك التاج مرتفعا
  وغمدان: قصر باليمن على وزن غفران، هو مبنى على أربعة أوجه: أحمر، وأخضر، وأبيض، وأصفر. وداخله قصر على سبعة سقوف، بين كل سقفين أربعون ذراعا، ويرى ظله، إذا طلعت عليه الشمس من ثلاثة أميال. والمحلال: بمعنى المنزل صيغة مبالغة.
  واعلم أن الزمخشري وعبد القاهر لما رأيا حذف الواو كثيرا، في نحو: جاء زيد على كتفه سيف، أخرجاه عن كونه جملة اسمية حالية. أما الزمخشري؛ فلأنه يرى وجوب الواو في مثله، وأن تركه قبيح.
  وأما الجرجاني؛ فلأنه يرى أنهما سيان، أو الذكر أكثر. فلو كانت اسمية، لاستوى في نحوه ترك الواو واستعمالها؛ فلذلك جعلا التقدير: مستقرا على كتفه سيف.
  وسيف: فاعلا به، وعمل لاعتماده على ما قبله. واختار أن يكون الظرف هنا في تقدير اسم الفاعل، وإن كان في غيره، يقدره بالفعل كما أفهمه من قوله في الإيضاح
(١) أورده محمد بن علي الجرجاني في الإشارات ص ١٣٦، والبيت من قصيدة قالها خالد بن جبلة الباهلي، مطلعها:
أخالد لم أخبط إليك بنعمة ... سوى أنني عاف وأنت جواد
ديوانه ٣/ ٤٩، والدلائل ص ١٥٧، والتبيان ص ١٢٠.
(٢) البيت من البسيط، وهو لأمية بن أبي الصلت الثقفي، وقيل: بل هو للنابغة الجعدي وهذا خطأ، انظر الأغانى (١٧/ ٣٠١، ٣٠٢)، ويروى: «مرتفقا» بدلا من «مرتفعا».