عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح،

بهاء الدين السبكي (المتوفى: 763 هـ)

الفن الأول: علم المعاني

صفحة 577 - الجزء 1

  . ... ... ... ... .....


  من حيث كونه إضافيا، لا من حيث ذاته. كما أن الأقل إضافى للأكثر يتوقف تعقل أحدهما على تعقل الآخر. وقد تعلم حقيقة الشئ الذي هو أكثر من حيث جنسه وفصله، وإن لم تعلم أكثريته. ثم إن الكبرى ممنوعة لأن كلام الأوساط قد يخلو من الإيجاز والإطناب.

  وأجيب عن الثاني: بأن كلام الأوساط معروف؛ لأنه الذي يؤدى به أصل المراد بالمطابقة من غير اعتبار مقتضى الحال، بل يكون صحيح الإعراب.

  وأجيب عن الثالث: بأن السكاكى يشير بما ذكره في الاختصار إلى تفاوت مراتب الإيجاز في المواد الجزئية؛ لكونه أبسط، أو لا.

  فإنه قد يكون أبسط باعتبار أصل جزئي، وغير أبسط باعتبار أصل آخر، فلا يلزم من كونه أبسط باعتبار أصل دونه، أن لا يكون إيجازا باعتبار متعارف الأوساط.

  فالإيجاز: يطلق على ما هو أقل من عبارة الأوساط مطلقا، ويطلق على ما هو أخص منه وهو الأول، وعبارة الأوساط بالنسبة إلى كلام دون كلام، فإنه قد يوصف الكلام بالإطناب والإيجاز، معا باعتبار أصلين كما يأتي في كلام المصنف، كقوله تعالى: {رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي}⁣(⁣١) فيه إيجاز بالنسبة إلى يا رب، إني وهنت عظام بدني، وإطناب بالنسبة إلى رب إني ضعفت. وجعلوا منه: نعم الرجل زيد، فإن فيه إطنابا بالنسبة إلى نعم زيد، وإيجازا بالنسبة إلى نعم الرجل هو زيد. (قلت): ومن هذا المثال يعلم أن الإيجاز قد يكون بأصل وضع اللغة، وبالحذف الواجب؛ فإن نعم الرجل هو زيد، لا يجوز إذا جعلنا هو مبتدأ؛ لأنه حينئذ واجب الحذف؛ فعلم أن الإيجاز أعم من الجائز والواجب.

  بقي على السكاكى والمصنف اعتراض، وهو أن كلام أهل العرف إذا كان رتبة وسطى بين الإيجاز والإطناب، فإما أن يكون هو المساواة، أو لا. فإن كان هو المساواة، فهي محمودة إذا طابقت مقتضى الحال، ومذمومة إذا لم تطابقه؛ لأن كل ما خرج عن البلاغة التحق بأصوات البهائم كما سبق، فكيف يقول المصنف: إن كلام الأوساط لا

  يحمد ولا يذم؟ والعجب أن الخطيبي جعل قوله: إن ما خرج عن ذلك التحق بأصوات البهائم مصححا لكلامه، لا مفسدا.


(١) سورة مريم: ٤.