عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح،

بهاء الدين السبكي (المتوفى: 763 هـ)

الفن الأول: علم المعاني

صفحة 596 - الجزء 1

  .. ... .....


  مَشْرَبَهُمْ}⁣(⁣١) وجواب الشرط لا يجوز أن يكون ماضي المعنى. ومن ذهب إلى جواز كون الجواب ماضي المعنى إنما هو حيث كان المعنى يلجئ إليه، والمعنى هنا على الاستقبال، لأن الانفجار يترتب على الضرب المستقبل بأداة الشرط.

  وأما قول ابن مالك: إن فعل الجزاء قد يكون ماضي المعنى، مع كون فعل الشرط مستقبل المعنى، فقد تقدم أن ذلك مما لا يتعقل، إلا أن يريد أن الجواب محذوف، ويكون سمى المذكور جوابا مجازا لسده مسد الجواب. ثم إن الزمخشري أورد هذا السؤال بعينه في قوله تعالى: {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ}⁣(⁣٢) وقال:

  من حق الجزاء أن يتعقب الشرط، وهذا سابق. وأجاب بأن التقدير: وإن يكذبوك فتأس، فوضع: فقد كذبت، موضع: فتأس، استغناء بالسبب عن المسبب - أعنى بالتكذيب عن التأسي - وهذه العبارة منه يحتمل أن يريد بها أن الجواب محذوف، وفيه نظر؛ لأن الجواب لا يحذف إذا كان فعل الشرط مضارعا. ويحتمل أن يريد أن: فقد كذبت ضمن

  معنى تأس. وفيه نظر؛ لأن الفعل الماضي لا يستعمل في الإنشاء إذا كان معه «قد» على ما يظهر لنا.

  وعلى كل من التقديرين؛ لا يصح ذلك في: فانفجرت؛ لأنه إن أراد أن الجواب محذوف، صار التقدير: إن ضربت فقد انفجرت. وهذا يمجه الطبع السليم؛ لأنه تقدير ما لا داعى إليه، ولا دليل عليه، وفيه حذف جملتى الشرط والجواب، وتكلف ما لا حاجة إليه. وإن أراد أنه حذف الشرط والفاء وقد، وبقى: فانفجرت.

  وهذا الجواب لزم أن يكون الجواب ماضي المعنى، فإن قال: إن فقد انفجرت قام مقام: انفجرت، وضمن معناه، فليت شعري كيف يجعل: انفجرت في تقدير:

  فقد انفجرت، ثم يضمن: قد انفجرت معنى: انفجرت الماضي لفظا، والمستقبل معنى؟! ونحن إذا وجدنا قد الصارفة للمضى، نحتاج أن نتكلف لها، وكيف نقدرها ثم نحتاج إلى الاعتذار عنها؟ فهذا كلام عجيب، إلا أن يكون الزمخشري أراد تفسير معنى، لا تفسير صناعة، ويكون غير مريد لتقدير قد فيصح كلامه حينئذ.


(١) سورة البقرة: ٦٠.

(٢) سورة فاطر: ٤.