الفن الأول: علم المعاني
  ومنها: أن يدل العقل عليهما؛ نحو: {وَجاءَ رَبُّكَ}(١) أي: أمره أو عذابه(٢).
  الثاني: أن قوله: أدلته كثيرة منها أن يدل العقل لا يصح؛ لأن يدل العقل ينحل إلى دلالة العقل، فكأنه قال: أدلته الدلالة، وهو فاسد. وتأويله: إما بأن يؤول الأدلة على الدلالات وهو الأولى، أو يؤول: أن يدل بالدلالة التي بمعنى الفاعل، كما هو قول في: عسى زيد أن يقوم. كما يؤول الموصول الحرفي وصلته بالمصدر، بمعنى المفعول في قول ضعيف، ذكره جماعة في قوله سبحانه: {وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ}(٣) وقوله سبحانه: {وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللَّهِ}(٤) ويقرب مما نحن فيه، قولك: زيد أكرم على من أن أضربه. نقل الشيخ أبو حيان في تذكرته، عن صاحب البديع، أن «أن» فيه بمعنى الذي، وفيه نظر؛ لأن «أن» لا تكون بمعنى الذي، ولأنه كان يلزم أن يقول: أنا أكرم على زيد من أن أضربه.
  ونقل الشيخ أبو حيان عن بهرمان أن هذا وقع جوابا لمن قال: أنت تريد أن تضربني، فمعناه: أنت أكرم على ممن يقدر في نفسه ذلك. انتهى.
  وصحة قولك: أنا أكرم على زيد من أن أضربه، يشهد لها مع كثرة الاستعمال.
  وذكر سيبويه لها في كتابه، قوله ﷺ: «أنا أكرم على الله من أن يعذبني بذات الجنب» ثم قال: ومنها - أي من أدلة الحذف - أن يدل العقل عليهما أي: على الحذف والتعيين، نحو: قوله تعالى: وَجاءَ رَبُّكَ أي: أمره، أو عذابه؛ لأن العقل دل على أصل الحذف لاستحالة مجئ الباري - سبحانه وتعالى - عقلا، فإن ذلك يستلزم الجسمية، ودل العقل أيضا على التعيين، وهو الأمر أو العذاب. (قلت:) فإذا كان محتملا لهما، فأين التعيين؟ إلا أن
  يكون أراد بقوله: الأمر الذي بمعنى العذاب، أو العذاب، وذلك اختلاف في العبارة فقط، لا في المعنى.
(١) سورة الفجر: ٢٢.
(٢) قوله: أي: أمره أو عذابه فيه نظر، فإن السلف لا يرون هذا التأويل، بل يثبتون لله صفة المجئ بمقتضى ظاهر هذه الآيات، ولا يوجب العقل الصريح هذا التأويل الذي ذكروه، وانظر: مختصر الصواعق المرسلة لابن القيم | فقد أجاب عن تأويل الفرق الكلامية لصفة المجئ وغيرها، في حديثه عن كسر طاغوت المجاز.
(٣) سورة البقرة: ٣.
(٤) سورة يونس: ٣٧.