الفن الأول: علم المعاني
  وإما بذكر الخاصّ بعد العامّ؛ للتنبيه على فضله؛ حتى كأنه من جنسه؛ تنزيلا للتغاير في الوصف منزلة التغاير في الذات؛ نحو: {حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى}(١).
  آخره، بمثنى مفسر باسمين ثانيهما معطوف على الأول، نحو قوله ﷺ: «يشيب ابن آدم وتشب معه خصلتان الحرص وطول الأمل»(٢)، ولك أن تقول: كل مثنى أو جمع ذكر ثم فصل، سواء أكان في أول الكلام أو آخره، يحصل به الإيضاح بعد الإبهام فما الذي خص آخر الكلام دون أوله وأوسطه؟ وما الذي خص المثنى دون المجموع؟ وهل هذا غير اللف والنشر الذي سيأتي في البديع؟
  ص: (وإما بذكر الخاص إلى آخره).
  (ش): من أسباب الإطناب إيراد الخاص بعد العام، ويؤتى به للتنبيه على فضل الخاص حتى كأنه ليس من جنس العام تنزيلا للتغاير في الوصف فيما حصل به للخاص التمييز عن غيره؛ بمنزلة التغاير في الذات على الأسلوب الذي سلكه المتنبي في قوله:
  فإن تفق الأنام وأنت منهم ... فإنّ المسك بعض دم الغزال(٣)
  وهذا بناء على الراجح عند الأصوليين من أن عطف الخاص على العام ليس بتخصيص. وقيل: هو تخصيص؛ فإن العطف عليه يبين أن هذا الخاص لم يرد بالأول، ومثله المصنف بذكر جبريل وميكائيل عليهما الصلاة والسّلام، بعد ذكر الملائكة - صلى الله عليهم وسلم - في قوله تعالى: {مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ}(٤) تنبيها على زيادة فضلهما.
  وعبارة المصنف أحسن من قول غيره في الآية، أنه عطف فيها الخاص على العام؛ لأن جبريل ليس معطوفا على الملائكة، بل إما على لفظ الجلالة؛ أو على الرسل، والمراد بهم رسل بني آدم. والمثال الثاني قوله تعالى: {حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى} ومثله في الإيضاح أيضا بقوله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ
(١) سورة البقرة: ٢٣٨.
(٢) أخرجه بنحوه البخاري في «الرقاق»، باب: من بلغ ستين فقد أعذر الله إليه في العمر، (١١/ ٢٤٣)، (ح ٦٤٢٠)، (٦٤٢١)، ومسلم في «الزكاة»، (ح ١٠٤٧).
(٣) البيت من الوافر: وهو لأبى الطيب المتنبي في شرح ديوانه ٢/ ١٦، وأسرار البلاغة ص ٩٥، رشيد رضا، والإشارات ص ١٨٧.
(٤) سورة البقرة: ٩٨.