عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح،

بهاء الدين السبكي (المتوفى: 763 هـ)

مقدمة في بيان معنى الفصاحة والبلاغة.

صفحة 64 - الجزء 1

  ... ... ... ... ... .....


  مهلا أعاذل قد جرّبت من خلقي ... أنّى أجود لأقوام وإن ضننوا⁣(⁣١)

  وقد يرد على المصنف ما خالف القياس، وكثر استعماله فورد في القرآن، فإنه فصيح مثل: استحوذ. قال الخطيبي:

  أما إذا كانت مختلفة الاستعمال لدليل فلا تخرج عن كونه فصيحا، كما في سرر يريد أن قياس سرير أن يجمع على أفعلة وفعلان، مثل أرغفة ورغفان. قلت: إن عنى بالدليل ورود السماع فذلك شرط؛ لجواز الاستعمال اللغوي لا للفصاحة، وإن عنى دليلا يصيره فصيحا وإن كان مخالفا للقياس فلا دليل في سرر على الفصاحة إلا وروده في القرآن فينبغي حينئذ أن يقال: إن مخالفة القياس إنما تخل بالفصاحة حيث لم تقع في القرآن الكريم، ولقائل أن يقول حينئذ: لا يسلم أن مخالفة القياس تخل بالفصاحة، ويسند هذا المنع بكثرة ما ورد منه في القرآن، بل مخالفة القياس مع قلة الاستعمال مجموعهما هو المخل، وإن أراد الخطيبي أن سررا خالف القياس، لعدم الإدغام فليس بصحيح، فإنه ليس قياس الإدغام وليس كل مثلين يدغم أحدهما في الآخر. ثم اعلم أن ما ذكره المصنف ظاهره يقضى بأن كل ضرورة ارتكبها شاعر فقد أخرج الكلمة عن الفصاحة. قال حازم في المنهاج: الضرائر السائغة منها المستقبح وغيره، وهو ما لا تستوحش منه النفس كصرف ما لا ينصرف وقد تستوحش منه النفس في البعض، كالأسماء المعدولة، وأشد ما تستوحشه النفس تنوين أفعل من وما لا يستقبح قصر الجمع الممدود، ومد الجمع المقصور، ويستقبح منه ما أدى إلى التباس جمع بجمع مثل: رد مطاعم إلى مطاعيم، أو رد مطاعيم إلى مطاعم، فإنه يؤدى إلى التباس مطعم بمطعام، وأقبح ضرائر الزيادة المؤدية لما ليس أصلا في كلامهم كقوله:

  من حوثما نظروا أدنو فأنظور⁣(⁣٢)


(١) البيت من البسيط، وهو لقعنب ابن أم صاحب الخصائص ١/ ١٦٠، ٢٥٧، وشرح أبيات سيبويه ١/ ٣١٨، والكتاب ١/ ٢٩، ٣/ ٥٣٥، ولسان العرب (ظلل)، (ضنن).

(٢) البيت ثاني اثنين في الإنصاف (١/ ٢٤)، بلا نسبة ولفظه:

وأنّنى حيثما يثنى الهوى بصرى ... من حيثما سلكوا أدنو فأنظور

وعزاهما في الإنصاف إلى اللسان (شرى) والخزانة (٢/ ٥٨ بولاق).