الفن الثاني علم البيان
  
  التشبيه بها بيان وجه الشبه، كقولك: رأيت رجلا كالأسد في البحر، وإنما يمتنع الخفاء في العلاقة.
  (تنبيه): إذا كان طرفا التشبيه مذكورين، والمشبه به خبر مبتدأ، أو في حكمه مثل خبر كان، وإن، وثاني مفعولى علمت، والحال، فهل يكون ذلك تشبيها، أو استعارة؟ اختلفوا فيه، وأنا أذكر ما يتضح لي أنه الصواب، ثم أتحفه بكلام الناس في ذلك. أما الذي يتضح لي - وباللّه التوفيق - فهو أن ذلك على قسمين: تارة يقصد به التشبيه، فتكون أداة التشبيه مقدرة، وتارة يقصد به الاستعارة، فلا تكون مقدرة. ويكون الأسد مستعملا في غير حقيقته، ويكون ذكر زيد والإخبار عنه بما لا يصلح له حقيقة، قرينة صارفة إلى الاستعارة، دالة عليها. فإن قامت قرينة على حذف الأداة، صرنا إليه، وإن لم تقم، فنحن بين إضمار واستعارة. والاستعارة أولى، فليصر إليها.
  والأصوليون مختلفون فيما إذا دار الأمر بين المجاز والإضمار، أيهما أولى، وذلك في مطلق المجاز، وفي علم أصول الفقه. أما الاستعارة التي هي أشرف أنواع المجاز، فإنها مقدمة على الإضمار، ولا سيما ونحن في علم البيان الذي الاستعارة فيه هي الأصل. وهم مجمعون على أن الاستعارة خير من الإضمار، وهذا الذي ذكرته من تجويز الاستعارة، لا يحتاج فيه لدليل؛ لأنه مجاز سائغ، وكما يجوز أن تقول: جاءني أسد تريد الاستعارة، يجوز أن تقول: زيد أسد، وهذا قياس جلى، وما يظن من الفرق بينهما، سأجيب عنه - إن شاء اللّه - هذا هو الذي ظهر لي.
  وأما الذي قالوه فها أنا أقوله، مبينا ما فيه: قال الزمخشري في قوله تعالى: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ}(١): فإن قلت: هل يسمى ما في الآية استعارة؟ قلت: مختلف فيه، والمحققون على تسميته تشبيها بليغا، لا استعارة.
  (قلت): إن أراد أنهم يسمونه تشبيها، وإن كان استعارة، ويكون صم في الآية مجازا؛ ولكنه يسمى تشبيها، لتقدير اسم المشبه، وذكر اسم المشبه به، مرادا بهما معا المشبه، فقريب. وإن أراد أن أداة التشبيه فيه محذوفة، وصم حقيقة، فلا نسلم. وما الدليل على ذلك؟ قال: لأن المستعار له مذكور، وهم المنافقون.
(١) سورة البقرة: ١٨.