مقدمة في بيان معنى الفصاحة والبلاغة.
  ... ... ... .....
  كانت على حرفين، لم تقبح إلا بأن يليها مثلها، ذكره حازم. قال حازم: المفرط في القصر ما كان على مقطع مقصور، والذي لم يفرط ما كان على سبب. والمتوسط ما كان على وتد أو على سبب ومقطع مقصور أو على سببين، والذي لم يفرط في الطول ما كان على وتد وسبب. والمفرط في الطول ما كان على وتدين، أو على وتد وسببين. اه.
  وفيه مخالفة لكلام غيره، وقال حازم أيضا: إن الطول تارة يكون بأصل الوضع، وتارة تكون الكلمة متوسطة فتبطلها الصلة وغيرها، كقول المتنبي:
  خلت البلاد في الغزالة ليلها ... فأعاضهاك الله كي لا تحزنا(١)
  وقول أبى تمام:
  ورفعت للمستنشدين لوائي(٢)
  اه، فإن قلت: زيادة الحروف لزيادة المعنى، كما في اخشوشن بمعنى خشن، واقتدر في قوله تعالى: {فَأَخَذْناهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ}(٣). وقوله تعالى: {فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ}(٤). وغير ذلك فكيف جعلتم كثرة الحروف مخلا بالفصاحة مع كثرة المعنى فيه؟
  قلت: لا مانع من أن تكون إحدى الكلمتين أقل معنى من الأخرى، وهى أفصح منها. إذ الأمور الثلاثة التي يشترط الخلوص عنها لا تعلق لها بالمعنى، ثم كون زيادة الحروف دائما لزيادة المعنى المراد به أن يكونا لمعنى واحد ومادة واحدة. فخرج بالأول نحو علم واستعلم وكسر وانكسر وبالثاني المادتان المستقلتان فلا تفاضل بينهما.
  ومن الغريب أن التنوخي نقل عن بعض الناس أن صيغة فاعل أبلغ من فعيل لكثرة استعمالها، وذكره ابن الأثير في المثل السائر، وأخوه في الجامع، وقال: لأن اسم
(١) البيت من الكامل، وهو للمتنبى في ديوانه ١/ ١٩٨.
(٢) عجز بيت من الكامل، وصدره:
وإلى محمد ابتعثت قصائدى
وهو لأبى تمام في ديوانه ص ١٦.
(٣) سورة القمر: ٤٢.
(٤) سورة الشعراء: ٩٤.