مقدمة في بيان معنى الفصاحة والبلاغة.
  .. ... ... .....
  ومما يجب ضبطه لينتفع به في هذا الكتاب كله أنه ليس لكل معنى كلمتان فصيحة وغيرها فربما لا يكون للمعنى إلا كلمة فصيحة أو غير فصيحة، ويضطر إلى استعمالها.
  ومنها: أن تجتنب الحركة الثقيلة على بعض الحروف كالضمة على الجيم، وأن تجتنب الأسباب الخفيفة المتوالية، كقولهم: القتل أنفى للقتل، ويرد عليه وروده في القرآن. قال تعالى: {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ}(١). وقال تعالى: {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ}(٢).
  وقد يقال: إن هذا كله يتعلق بفصاحة الكلام، لأن الأسباب لم تجتمع في كلمة واحدة.
  ومنها أن لا تجتمع الأفعال المتوالية، كقول المتنبي:
  عش ابق اسم سد قد جد مر انه رف أسر نل ... غظ ارم صب احم اغز أسب رع زع دل اثن نل(٣)
  وقال حازم: إن بيت المتنبي إنما قبح لقصر كلماته المتوالية التي على حرفين، وينبغي أن يذكر هذا في شروط فصاحة الكلام.
  ومنها: أن لا تكون الكلمة مبتذلة، إما لتغيير العامة لها إلى غير أصل الواضع كاللقالق ولهذا عدل في التنزيل إلى قوله: {فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ}(٤)؛ لسخافة لفظ الطوب، وما رادفه كما قال الطيبي، ولاستثقال جمع الأرض لم تجمع في القرآن، وجمعت السماء، وحيث أريد جمعها قال: {الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ}(٥) وقد قسم حازم في المنهاج الابتذال والغرابة فقال ما ملخصه الكلمة على أقسام:
  الأول: ما استعملته العرب دون المحدثين، وكان استعمال العرب له كثير في الأشعار، وغيرها فهذا حسن فصيح.
(١) سورة المدثر: ٦.
(٢) سورة الإسراء: ١٠٠.
(٣) البيت من الطويل، وهو لأبى الطيب المتنبي في ديوانه ٢/ ٩٢، والعمدة لابن رشيق ٢/ ٢٥، والمصباح ص ١٨٠.
وروايته في كل مصدر مختلفة بعض الشئ عن روايته التي ذكرها المصنف.
(٤) سورة القصص: ٣٨.
(٥) سورة الطلاق: ١٢.