عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح،

بهاء الدين السبكي (المتوفى: 763 هـ)

مقدمة في بيان معنى الفصاحة والبلاغة.

صفحة 70 - الجزء 1

  .. ... ... .....


  ومما يجب ضبطه لينتفع به في هذا الكتاب كله أنه ليس لكل معنى كلمتان فصيحة وغيرها فربما لا يكون للمعنى إلا كلمة فصيحة أو غير فصيحة، ويضطر إلى استعمالها.

  ومنها: أن تجتنب الحركة الثقيلة على بعض الحروف كالضمة على الجيم، وأن تجتنب الأسباب الخفيفة المتوالية، كقولهم: القتل أنفى للقتل، ويرد عليه وروده في القرآن. قال تعالى: {وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ}⁣(⁣١). وقال تعالى: {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ}⁣(⁣٢).

  وقد يقال: إن هذا كله يتعلق بفصاحة الكلام، لأن الأسباب لم تجتمع في كلمة واحدة.

  ومنها أن لا تجتمع الأفعال المتوالية، كقول المتنبي:

  عش ابق اسم سد قد جد مر انه رف أسر نل ... غظ ارم صب احم اغز أسب رع زع دل اثن نل⁣(⁣٣)

  وقال حازم: إن بيت المتنبي إنما قبح لقصر كلماته المتوالية التي على حرفين، وينبغي أن يذكر هذا في شروط فصاحة الكلام.

  ومنها: أن لا تكون الكلمة مبتذلة، إما لتغيير العامة لها إلى غير أصل الواضع كاللقالق ولهذا عدل في التنزيل إلى قوله: {فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ}⁣(⁣٤)؛ لسخافة لفظ الطوب، وما رادفه كما قال الطيبي، ولاستثقال جمع الأرض لم تجمع في القرآن، وجمعت السماء، وحيث أريد جمعها قال: {الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ}⁣(⁣٥) وقد قسم حازم في المنهاج الابتذال والغرابة فقال ما ملخصه الكلمة على أقسام:

  الأول: ما استعملته العرب دون المحدثين، وكان استعمال العرب له كثير في الأشعار، وغيرها فهذا حسن فصيح.


(١) سورة المدثر: ٦.

(٢) سورة الإسراء: ١٠٠.

(٣) البيت من الطويل، وهو لأبى الطيب المتنبي في ديوانه ٢/ ٩٢، والعمدة لابن رشيق ٢/ ٢٥، والمصباح ص ١٨٠.

وروايته في كل مصدر مختلفة بعض الشئ عن روايته التي ذكرها المصنف.

(٤) سورة القصص: ٣٨.

(٥) سورة الطلاق: ١٢.