عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح،

بهاء الدين السبكي (المتوفى: 763 هـ)

التشبيه

صفحة 79 - الجزء 2

  


  واعترض على المصنف بأن البيت لا تشبيه فيه، وأجيب بأن التقدير: فأنت كالمسك، ثم ذكر حال المسك فقال: إن المسك بعض دم الغزال. والمشبه في قولنا: أنت كالمسك، لا يقصد إثبات إمكانه، فالصواب في العبارة أن تقدر: فحالك حال المسك؛ لأن حاله من كونه بهذه الصفة، هو المستغرب، والظاهر أن جواب الشرط فلا بدع؛ فليس هذا من التشبيه اللفظي في شئ.

  نعم هو تشبيه معنوي، ثم أقول: بيان إمكان المشبه لم يحصل من التشبيه؛ لأن الغرض من التشبيه بيان إمكان المشبه، كما زعم المصنف، ومثله السكاكى بقول ابن الرومي:

  قالوا أبو الصّقر من شيبان. قلت لهم: ... كلّا لعمري! ولكن منه شيبان

  كم من أب قد علا بابن ذرى شرف ... كما علا برسول اللّه عدنان

  وكذا قول بعض المغاربة:

  فإن كنت قد أنسيت بعض قضائهم ... فإنّ اللّيالى بعضها ليلة القدر

  وقد ذكر جماعة أن هذا المعنى لم يسبق أحد المتنبي إليه، قال ابن وكيع: لا أعرفه منظوما، لكن وجدته في منثور، وهو أنه قيل: الناس يتفاضلون تفاضل الدماء، منها مسك يباع، ومنها علق يضاع. وقد اعترض بعض الفضلاء على المتنبي بأن التشبيه ليس صحيحا، فإن نوع الإنسان ليس بمثابة الدم الذي فيه زفرة ورداءة، وهو وهم. فإنه إنما أراد أن يعيب غير ممدوحه من أهل زمانه فإن قيل هذا البيت:

  رأيتك في الذين أرى ملوكا ... كأنّك مستقيم في محال

  وقد اعترض بعض من حضر مجلس سيف الدولة على المتنبي قوله: مستقيم في محال، بأن المستقيم لا يضاد المحال، وإنما يضاد المعوج. فقال له سيف الدولة: هب أن القصيدة جيمية، فما تصنع بالبيت الثاني؟ فقال: يقول: فإن البيض بعض دم الدجاج. فقال سيف الدولة: ارتجاله حسن، إلا أنه يصلح أن يباع في سوق الطير، لا أن يمدح به الملوك.