عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح،

بهاء الدين السبكي (المتوفى: 763 هـ)

الفن الثاني علم البيان

صفحة 89 - الجزء 2

  ويجوز التشبيه - أيضا - كتشبيه غرّة الفرس بالصبح، وعكسه، متى أريد ظهور منير في مظلم أكثر منه.


  وقد يشكل على هذا قول الشاعر: (تشابه دمعي) مع قوله: (فمن مثل) فكيف جمع بينهما ولا سيما والفاء تشير إلى تسبب ذلك عن التشابه؟ ولولا قوله في البيت الثاني:

  فو اللّه ما أدرى، لكنت أقول: التشابه لمجرد الجمع، والتشبيه بعده لإيضاح المشبه الناقص والمشبه به الزائد، ولو صح ما ادعاه بعضهم من أن (مثل) هنا من قولهم: مثلك لا يفعل كذا، لأمكن الجواب به، لكن الظاهر أن مثلك لا يفعل كذا، لا يستعمل في حشو الكلام؛ ولذلك قال الإمام فخر الدين في نهاية الإيجاز، وغيره: إن ذلك مما صار تقديمه كاللازم. ومن التشابه قول الصاحب بن عباد:

  رقّ الزّجاج وراقت الخمر ... وتشابها فتشاكل الأمر

  فكأنّما خمر ولا قدح ... وكأنّما قدح، ولا خمر⁣(⁣١)

  وعلى هذا الشاهد من السؤال ما على الذي قبله من اجتماع التشبيه والتشابه، إلا أن يقال: إن (كأن) فيه للشك، لا للتشبيه، ويشهد له قوله: (ولا قدح ولا خمر) أو يقال:

  التشبيهان المصرح بهما تعارضا لفظا كما تعارضا معنى في لفظ التشابه، فتساقطا وبقي أصل التشبيه، وقد يسلك هذا بأن يقدر من مثل ما جرى من دمعي في الكأس، وقد يسلك في الآيتين الكريمتين، بأن يقدر تشبيه محذوف يدل عليه مقابله.

  واعلم أن هذا هو القسم الذي قصد به التساوي بين أمرين.

  (قوله: ويجوز التشبيه أيضا) أي يجوز استعمال صيغة التشبيه عند إرادة التشابه، وذلك إذا أريد مجرد الجمع بين أمرين، وهذا هو القسم الذي قدمت أن المقصود فيه مجرد الجمع لا التساوي، وهذا القسم يستعمل كل من المشبه والمشبه به فيه موضع الآخر، كتشبيه غرة الفرس بالصبح، وتشبيه الصبح بغرة الفرس، إذا كان المراد وقوع منير في مظلم أكثر من المنير، بخلاف التشبيه الذي ليس بتشابه، فإنه لا يجوز أن يوضع المشبه موضع المشبه به من غير ادعاء؛ لأن وجه الشبه فيه أتم، وهذا المثال يبين ما قلناه، من أن المقصود في هذا القسم مطلق الجمع؛ لأن غرة الفرس والصبح متفاوتان،


(١) البيتان للصاحب إسماعيل بن عباد، وهما بلا نسبة في الإشارات والتنبيهات ص ١٩١.