الفن الثاني علم البيان
  ومنه: ما ذكر فيه وصف المشبّه به وحده، ومنه: ما ذكر فيه وصفهما؛
  النفي، كقوله: لم يقم واحد من الرجلين، فلم يبق له عموم، لكونه معرفة، ولا يمكن أن يدعى عمومه، لأنه اسم جنس، أضيف إلى الرجلين؛ لأن اسم الجنس إنما يعم بالإضافة إذا لم يدل بالمادة على الخصوص، أما إذا دل فلا، كقولك: أكلت بعض الرغيف أو ثلثه، لا يعم الأثلاث والأبعاض، وكذا أحد الشيئين لا يعمهما، ولو سلمنا أن أحدهما يعمهما، فوقوعه بعد النفي كوقوع سائر صيغ العموم، وهي بعد النفي للخصوص؛ لأنها سلب عموم، لا عموم سلب كما سبق، إلا أن يدعى أن أحدا لا يتعرف بالإضافة لمعرفة، ويؤيد ما قلناه، قوله تعالى: {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما}(١) المراد منه ما ذكرناه، بدليل قوله: {أَوْ كِلاهُما}، والشرط كالنفى. وأما قوله ﷺ: «إني لست كأحدكم»(٢) فالقرينة قامت على إرادة العموم، وبعد أن كتبت هذه السطور، وقفت على كلام الزمخشري، قال في قوله تعالى: {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً}(٣): إن معناه لا تطع أحدا ثم قال: فإن قلت: ما معنى أو لا تطع أحدهما فهلا جئ بالواو ليكون نهيا عن طاعتهما؟! قلت: لو قيل: ولا تطعهما، لجاز أن يطيع أحدهما وإذا قيل: لا تطع أحدهما، علم أن الناهى عن طاعة أحدهما عن طاعتهما أنهى كما إذا نهى أن يقول لأبويه: أف، علم أنه منهى عن ضربهما انتهى.
  وهذا يدل على أن لم أضرب أحدهما، معناه لم أضرب واحدا منهما، وفيه نظر؛ لما سبق. (قوله: ومنه ما ذكر فيه وصف المشبه به وحده) أي: ولم يذكر وصف المشبه، وسكت عن مثاله؛ لأن مثاله سبق عن قريب، وهو قولهم: هم كالحلقة المفرغة، لا يدرى أين طرفاها. ومثله في الإيضاح بقول النابغة:
  فإنّك شمس، والملوك كواكب ... إذا طلعت، لم يبد منهنّ كوكب(٤)
(١) الإسراء: ٢٣.
(٢) أخرجه مسلم في الأشربة «، باب: إباحة أكل الثوم، (ح ٢٠٥٣)، بلفظ:» كلوا فإني لست كأحد منكم ... . «، ومتفق عليه بلفظ: وإني لست مثلكم. .».
(٣) سورة الإنسان: ٢٤.
(٤) البيت من الطويل للنابغة الذبياني في ديوانه ص ٢٨، والإشارات والتنبيهات ص ١٩٤.