عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح،

بهاء الدين السبكي (المتوفى: 763 هـ)

الفن الثاني علم البيان

صفحة 108 - الجزء 2

  أو ندور حضور المشبّه به: إمّا عند حضور المشبّه؛ لبعد المناسبة؛ كما مر. وإمّا مطلقا؛ لكونه وهميّا، أو مركبا خياليّا، أو عقليّا؛ كما مر. أو لقلّة تكرّره⁣(⁣١) على الحس؛ كقوله: والشمس كالمرآة؛ فالغرابة فيه من وجهين⁣(⁣٢).


  والشمس كالمرآة في كفّ الأشل⁣(⁣٣)

  فإن الوجه فيه كثير التفصيل؛ لما فيه من الإشراق، والاستدارة، والتموج وغير ذلك، بخلاف قولنا: الشمس كالمرآة، من غير أن تقول: في كف الأشل، فإن التفصيل فيه قليل، فهو مثال للقسم السابق كما تقدم.

  (قوله: أو ندور حضور المشبه به) هذا هو النوع الثاني، أي: بأن يكون الوجه قليل التفصيل؛ إلا أن حضور المشبه به نادر، وفيه نظر؛ ينبغي أن يقول: غير غالب؛ لأن القريب ما كان غالبا، والبعيد بخلافه، وخلاف الغالب أعم من النادر، والكثير الذي لا يغلب والمتوسط. وقوله: (إما عند حضور المشبه) أي إما أن تكون ندرة حضوره عند حضور المشبه (لبعد المناسبة) بين الطرفين (كما مر) في تشبيه البنفسج بأطراف الكبريت، وإما أن يكون ندور المشبه به مطلقا؛ لكون الوجه وهميا، أو مركبا خياليا، أو مركبا عقليا، وكان ينبغي أن يكتفى بذكر العقلي عن الوهمي، كما صنع حين قسم الوجه إلى عقلي وحسى، ولم يذكر الوهمي إدخالا له في العقلي.

  (قوله: كما مر) أي من الأمثلة، فالوهمى كتشبيه السهام بأنياب أغوال، والخيالي تشبيه الشقيق بأعلام ياقوت، والعقلي كالتشبيه في قوله تعالى: {كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً}⁣(⁣٤) أو تكون الندرة لقلة تكرره على الحس كقوله:

  والشّمس كالمرآة في كفّ الأشل

  فربما يقضى الرجل دهره، ولا يرى مرآة في كف الأشل؛ فالغرابة في قولنا: كالمرآة في كف الأشل من جهة ندرة المشبه به، لقلة تكرره على الحس، ومن جهة كثرة التفصيل.


(١) أي المشبه به.

(٢) أحدهما كثرة التفصيل في وجه الشبه، والثاني قلة التكرر على الحس.

(٣) وعجز البيت:

لما رأيتها بدت فوق الجبل ...

البيت من أرجوزة لجبار بن جزء بن ضرار ابن أخي الشماخ، والبيت في الإشارات والتنبيهات ص ١٨٠.

(٤) سورة الجمعة: ٥.