عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح،

بهاء الدين السبكي (المتوفى: 763 هـ)

الفن الثاني علم البيان

صفحة 132 - الجزء 2

  


  إلا هو، وكم من آية أو حديث قد ضيم وسيم الخسف بالتأويلات البعيدة؛ لأن من تأول ليس من هذا العلم في عير ولا نفير، ولا يعرف قبيلا منه من دبير، هذه نبذة من كلام الزمخشري ذكرتها لحسنها غير أنه وقع في أثنائها وهم، فإنه ذكر أن سبب نزولها: «أن جبريل جاء إلى النبي فقال: يا محمد إذا كان يوم القيامة جعل اللّه السماوات على إصبع والأرضين على إصبع والماء والشجر على إصبع وجميع الخلائق على إصبع ثم يقول: أنا الملك فضحك تصديقا له ثم قال: قرأ هذه الآية وهذا وهم من الزمخشري وتصحيف، وإنما القائل ذلك حبر من أحبار اليهود قصد بذلك التجسيم⁣(⁣١) ولهذا رد عليه بقوله تعالى: {وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}⁣(⁣٢) وأما قوله في الحديث: «تصديقا له»، فهو مؤول، إما على معنى التصديق بحسب اللفظ الذي له محمل صحيح، وإن لم يرد حقيقته التي أرادوها هم، أو غير ذلك. ومن إطلاق اليد بمعنى النعمة إخبار النبي أن أسرع أزواجه لحوقا به أطولهن يدا فأخذوا قصبة يذرعونها، وفي البخاري: «كانت سودة أطولهن⁣(⁣٣) يدا»، وفي مسلم: «فكانت أطولنا يدا زينب»⁣(⁣٤)، وجمع بينهما بأنهما مجلسان، فالمجلس الذي حضرته زينب غير المجلس الذي حضرته سودة وكانت سودة، على الإطلاق أسرعهن لحوقا به، على أن في جعله مجازا نظرا لجواز أن يكون كناية، كذا قاله بعضهم، وفيه نظر؛ لأن طول اليد الجارحة لا مناسبة فيه؛ لكثرة الصدقة كالمناسبة في طول النجاد لطول القامة، وتطلق أيضا اليد على الانقياد كما يقال: «نزع يده من الطاعة» وقوله تعالى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ}⁣(⁣٥) يحتمل النعمة والقدرة والانقياد أي يعطوها صادرة عن نعمة حاصلة منكم عليهم وهي إبقاء أرواحهم أو صادرة عن قوة واستعلاء لكم، أو عن قوة لهم؛ لأنهم إذا أعطوا الجزية فقد تجاوزوا قوتهم إلى الضعف، وهو حسن، أو عن انقياد وطاعة منهم، ثم مثّل - المصنف - أيضا للمجاز المرسل بإطلاق الراوية على المزادة، فإنها حقيقة في الحامل لها، فأطلق عليها وهو من مجاز المجاورة، وظاهر كلام السكاكى، أنها من إطلاق السبب على المسبب لأن الراوية سبب لحمل المزادة.


(١) الحديث أخرجه البخاري ٨/ ٤١٢.

(٢) سورة الزمر: ٦٧.

(٣) الحديث أخرجه البخاري في «الزكاة»، (ح ١٤٢٠).

(٤) الحديث أخرجه مسلم في «الفضائل»، (ح ٢٤٥٢).

(٥) سورة التوبة ٢٩.