عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح،

بهاء الدين السبكي (المتوفى: 763 هـ)

الفن الثاني علم البيان

صفحة 134 - الجزء 2

  وتسميته⁣(⁣١) باسم سببه؛ نحو: رعينا الغيث، ...


  إطلاق اسم جزء المرسل على كله، ويكون جعله عين من أرسله بمعنى: هو الذي أرسله، ومثل في الإيضاح بقوله تعالى: {قُمِ اللَّيْلَ}⁣(⁣٢) فأطلق القيام، وهو جزء الصلاة عليها لكونه أظهر أركانها، وكذلك قوله تعالى: {لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً}⁣(⁣٣) وكذلك قوله : «من قام رمضان»،⁣(⁣٤) «من قام ليلة القدر»⁣(⁣٥) ومنه تسمية النافلة سبحة.

  وقوله: «وعكسه» إشارة إلى القسم الثاني: وهو إطلاق الكل على الجزء، كاستعمال الأصابع في الأنامل في قوله تعالى: {يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ}⁣(⁣٦) أي:

  أناملهم، دل عليه أن العادة أن الإنسان لا يضع جميع أصابعه في أذنه، ومنه:

  «قطعت السارق»، وإنما قطعت يده ومثله الأصوليون بقوله ø: «قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين»⁣(⁣٧) أي: الفاتحة (قوله: وتسميته باسم سببه) إشارة إلى القسم الثالث وهو تسمية الشئ باسم سببه، نحو: «رعينا الغيث»؛ أي: النبات فسمى النبات غيثا، لأن الغيث سبب النبات، ومنه تسمية اليد قدرة، فإن اليد سبب القدرة، وجعل منه في الإيضاح قوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ}⁣(⁣٨) سمى جزاء الاعتداء اعتداء، من إطلاق اسم السبب على المسبب ومنه قوله تعالى: {وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ}⁣(⁣٩) البلاء مجاز عن العرفان ومنه قول عمرو بن كلثوم:

  ألا لا يجهلن أحد علينا ... فنجهل فوق جهل الجاهلينا⁣(⁣١٠)


(١) أي: تسمية الشئ.

(٢) سورة المزمل: ٢.

(٣) سورة التوبة: ١٠٨.

(٤) أخرجه البخاري في «الإيمان»، (ح ٣٧)، ومسلم (ح ٧٥٩).

(٥) أخرجه البخاري في «التراويح»، (ح ٢٠١٤)، ومسلم (ح ٧٦٠).

(٦) سورة البقرة: ١٩.

(٧) أخرجه مسلم (ح ٣٩٥).

(٨) سورة البقرة: ٩٤، يمكن أن تعد الآية كذلك من قبيل المشاكلة، نحو قوله تعالى: وجزاء سيئة سيئة مثلها، انظر التبيان للطيبي بتحقيقى ٢/ ٣٩٩.

(٩) سورة محمد: ٣١.

(١٠) عمرو بن كلثوم من أصحاب المعلقات، وإن كان مقلا.