عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح،

بهاء الدين السبكي (المتوفى: 763 هـ)

الفن الثاني علم البيان

صفحة 137 - الجزء 2

  


  كذا في الإيضاح والمراد: أكلت الدية؛ والذي يظهر أنه معكوس وأنه من إطلاق المسبب على السبب نظرا إلى دية موروثه المقتول وكأن المصنف أراد دية القاتل. كأن من أكل الدية أكل دم القاتل، لكن نقول: الدية ليست سببا للدم بل سببا لعصمته، ومنه {فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ}⁣(⁣١) أي: أردت هذا المشهور، وعليه سؤال وهو أنّ الإرادة إن أخذت مطلقا لزم استحباب الاستعاذة لمجرد إرادة القراءة حتى لو أراد ثم عنّ له أن لا يقرأ يستحب له الاستعاذة وليس كذلك وإن أخذت الإرادة بشرط اتصالها بالقراءة استحال تحقق استحباب الاستعاذة قبل القراءة، وفي البخاري أن معنى: {فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ}؛ أي: إذا استعذت فاقرأ، وجعل المصنف منه: {وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ}⁣(⁣٢) أي: أراد بقرينة، فقال: رب، وكذلك: {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها}⁣(⁣٣)، أي: أردنا بقرينة، {فَجاءَها بَأْسُنا}. وفيه نظر؛ لأن الأخص من الفعلين قد يعطف بالفاء على الأعم. تقول: أكرمني زيد فجاد على.

  (تنبيه): اعلم أنه دخل في قولنا: إطلاق السبب على المسبب أو عكسه الأسباب الأربعة: المادي ويسمى القابلى كإطلاق الخشب على السرير، ومثّله الإمام بقولهم: سال الوادي. وفيه نظر؛ لأن الوادي ليس مادة للسيل ولا للسائل، وهذا القسم أعنى السبب المادي، يدخل في علاقة السببية ويدخل في علاقة إطلاق الشئ على ما يؤول إليه فإن المادة تؤول إلى مسببها ودخل السبب الصوري وهو أيضا يدخل في إطلاق الشئ على ما يؤول إليه؛ لأن المادة تؤول إلى الصورة، ومثل الإمام فخر الدين هذا بتسمية اليد بالقدرة. واعترض عليه الأصبهاني بأن القدرة ليست صورة اليد؛ بل لازمة لصورة اليد. وجوابه أنها صورة معنوية قال القرافى: انعكس الأمر على الإمام، وصوابه كتسمية القدرة باليد؛ فإن اليد سبب القدرة. وفيما قاله نظر؛ لأن القدرة هي سبب اليد؛ إذ لا يوضع إلا بها؛ لأن من الواضح أن المعنى باليد هنا إنما هو المعنى المسوغ للتصرف، لا الجارحة، ودخل السبب الفاعلي، سواء أكان فاعلا حقيقة أم لا، كتسمية المطر سماء، وقد ذكرنا أمثلته في شرح كلام المصنف ودخل السبب الغائى مثل:

  تسمية العصير خمرا وهي من تسمية الشئ بما يؤول إليه (قوله: أو ما كان عليه)


(١) سورة النحل: ٩٨.

(٢) سورة هود: ٤٥.

(٣) سورة الأعراف: ٤.