عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح،

بهاء الدين السبكي (المتوفى: 763 هـ)

الفن الثاني علم البيان

صفحة 140 - الجزء 2

  


  مجاز إطلاق الكل على الجزء، ومنها مجاز تسمية المتعلق باسم المتعلق، كتسمية المعلوم علما ومنها عكسه، وهما يدخلان فيما سبق، ومنها مجاز إطلاق أحد الضدين على الآخر، وإن شئت قلت: تسمية أحد المتقابلين باسم الآخر وهو أعم من الأول، كتسمية اللديغ سليما، والبرية المهلكة: مفازة، ومثله الأصوليون وكذلك المصنف فيما سيأتي من البديع بقوله تعالى: {وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها}⁣(⁣١) ونحوه، وقد تقدم التمثيل بذلك لعلاقة السببية، وتقدم أنه لا يصح تمثيله بقوله تعالى: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ}⁣(⁣٢).

  واعلم أنه لا يشترط في مجاز المقابلة أن تتقدم الكلمة الحقيقة بل قد تتقدم مثل {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ}⁣(⁣٣) وقد تتأخر كقوله تعالى: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ}⁣(⁣٤) وقوله : «إن الصدقة تقع في يد اللّه تعالى قبل وقوعها في يد المسكين». وليس منه: {يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ}⁣(⁣٥)؛ لأن يد اللّه مغلولة محكى عنهم لم يؤت به للمقابلة. بل قد أغرب الخفاجي فقال في سر الفصاحة: إن قوله تعالى: {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ}⁣(⁣٦) من مجاز المقابلة؛ لأنه لما ذكرت البشارة في المؤمنين في آية أخرى ذكرت في الكافرين وهذا يقتضى: أن مجاز مقابله لا يشترط فيه ذكر الطرف الحقيقي لفظا؛ بل يسمى كل اسم ثبت لأحد المتقابلين حقيقة أطلق على مقابلة مجازا وفي هذه التسمية نظر؛ لأنها مخالفة لاصطلاح الناس، ومنها مجاز تسمية المستعد لأمر باسمه كتسمية الخمر في الدن مسكرا، كذا قالوه، وليس بشئ لأن هذا من تسمية الشئ باسم ما يؤول إليه وقد سبق، ومنها مجاز تسمية الشئ باسم مبدله ومثلوه بقولهم: «أكل الدم» أي الدية وقد تقدم التمثيل بذلك للسببية ومثلوه أيضا بقولهم:

  إنّ لنا أحمرة عجافا ... يأكلن كلّ ليلة إكافا⁣(⁣٧)


(١) سورة الشورى: ٤٠.

(٢) سورة آل عمران: ٥٤.

(٣) سورة آل عمران: ٥٤.

(٤) سورة الفتح: ١٠.

(٥) سورة المائدة: ٦٤.

(٦) سورة التوبة: ٣٤.

(٧) في الإيضاح بتحقيقى: والإكاف. البرذعة، والضمير للأحمرة التي يصفها أبو حزابة الوليد بن حنيفة في قوله قبله: إن لنا أحمرة عجافا ص ٢٤٨.