عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح،

بهاء الدين السبكي (المتوفى: 763 هـ)

مقدمة في بيان معنى الفصاحة والبلاغة.

صفحة 77 - الجزء 1

  وقوله⁣(⁣١) [من الطويل]:

  كريم متى أمدحه أمدحه والورى ... معي وإذا ما لمته لمته وحدى


  وبخط عبد اللطيف البغدادي:

  وما بقرب قبر حرب قبر

  قال الكرماني: ذكروا أنه من شعر الجن، وأنه لا يتهيأ لأحد أن ينشده ثلاث مرار فلا يتتعتع اه. وفيه إقواء، لأن البيت مصرع أو هما بيتان من مشطور الرجز، وحركة الأول الخفض والثاني الرفع، ولا يمكن أن يكون مصرعا، ويكون بيتا واحدا. فإن قوله (بمكان قفر) لا يصلح أن يكون عروضا إنما هو ضرب لما تقرر في علم العروض، فلا بد من جعله بيتا مشطورا، أو نصفا مصرعا فإن التصريع يلحق العروض بالضرب، وجعل بعض الشراح ذلك من تنافر الحروف، وليس كذلك؛ لأن كل كلمة على انفرادها لا تنافر فيها، وكل ما حصل فيه تكرار الحروف، فإن فيه هذا التنافر، ولا يرد قوله تعالى: {وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ}⁣(⁣٢) لأن في مخرجى الميم والنون - وهما طرف اللسان والشفة وذلاقتهما، وتوسطهما بين الضعف والقوة - ما أزال ثقل التكرار، وجعل الخفاجي ثقل هذا البيت؛ لتقارب الحروف المتماثلة وتكررها أيضا، ومن التكرار القبيح على ما ذكره ابن الأثير في الجامع:

  وازورّ من كان له زائر ... وعفّ عافى العرف عرفانه⁣(⁣٣)

  (وكقوله: كريم متى أمدحه) قد جعل في الإيضاح التنافر منقسما إلى أعلى وهو ما سبق، ودونه وهو قول أبى تمام:

  كريم متى أمدحه، أمدحه والورى ... معي وإذا ما لمته، لمته وحدى⁣(⁣٤)


(١) البيت لأبى تمام أورده فخر الدين الرازي في نهاية الإيجاز ص ١٢٣ وجاء البيت برواية:

كريم متى أمدحه أمدحه والورى ... جميعا ومهما لمته لمته وحدى

(٢) سورة هود: ٤٨.

(٣) البيت من السريع، وهو في مقامات الحريري من المقامة التفليسية كما في المثل السائر (١/ ٣٠٩).

وأزور: مال وأعرض، وعاف: استقذر، والعافى: طالب العطاء (هامش المثل السائر).

(٤) البيت من الطويل، أورده فخر الدين الرازي في نهاية الإيجاز ص (١٢٣) وعزاه لأبى تمام، وهو كذلك في الإيضاح بتحقيقنا ص (٦)، وتلخيص مفتاح العلوم ص (٧)، والتبيان للطيبي بتحقيقنا ٢/ ٤٩٦ وشرح عقود الجمان (١/ ١٤).