الفن الثاني علم البيان
  أو معان ملتئمة، كقوله [من الطويل]:
  وصاعقة من نصله تنكفى بها ... على أرؤس الأقران خمس سحائب
  السلاح، فمن أين له أن المراد السيوف جاز أن يراد أسنة الرماح؟ بل أسنة الرماح هي المشبهة في الغالب بالنار، لأنها أشبه بالشعلة من النار لارتفاعها وسرعة حركتها ولمعانها، وليس مجموع ذلك في السيف. ثم قد يقال: القرينة هنا أمر واحد له متعلقان لا أمور متعددة، ولو كانت القرينة أمورا متعددة لكانت قرائن لا قرينة هي أكثر من واحد فإن ذلك إنما يتأتى في الشئ الملتئم من عدة أمور، وذلك قسم سيأتي، والذي يظهر في البيت أن القرينة مجموع: «فإن تعافوا» مع قوله: «أيماننا» جمع يمين لأن الأول دل على العقوبة، والثاني دل على عدم إرادة النار الحقيقية، فإن الذي هو في الإيمان السلاح لا النار، فإن الغالب أنه تأجج ولا يطول مكثها في الأيدي. وقول المصنف: أو أكثر ينبغي أن يكون معطوفا على أمر؛ ليكون تقديره: «إما أكثر من أمر واحد»، فيكون أمور متعددة، ولا يكون معطوفا على قوله: «واحد» فإنه يلزم أن يكون التقدير: أو أمر أكثر من واحد؛ فإن ذلك لا يصح إلا بأن يكون الأكثر من أمر واحد يصدق عليه أمر. وفيه بعد، فإن الأمر ظاهره الوحدة، وإنما يقال: «أمر واحد»؛ لزيادة إيضاح، أو للاحتراز عن الهيئة الاجتماعية (قوله: أو معان ملتئمة) أي معان مرتبط بعضها ببعض، يريد أن تكون القرينة أمرا مركبا، ومثله بقول البحتري:
  وصاعقة من نصله تنكفى بها ... على أرؤس الأقران خمس سحائب(١)
  أراد أنامل الممدوح فذكر أن هناك صاعقة، ثم قال: من نصله فبين أنها من نصل سيفه ثم قال: على أرؤس الأقران، ثم قال: «خمس» فذكر عدد أصابع اليد فبان من مجموع ذلك غرضه كذا قال المصنف، وفيه نظر، أما قوله: أراد أنامل الممدوح، فالأحسن أن يقال: الأصابع كما ذكره هو آخرا والسكاكى ذكر الأنامل أولا، وآخرا، وكان مقصودهما أن تشبيه الأنامل بالسحائب أبلغ من تشبيه الأصابع، لكن قد يعكس؛ لأن الأنامل على الإطلاق أكثر من خمس، وإرادة الأنملة العليا من كل
(١) البيت للبحترى ديوانه ١/ ١٧٩، الطراز ١٣/ ١ / ٢٣١، والإيضاح بتحقيقى ص: ٢٦١، ورواية الديوان:
وصاعقة من كفه ينكفى بها ... على أرؤس الأعداء خمس كتائب
والتلخيص في علوم البلاغة بتحقيق ص: ٧٥.