الفن الثاني علم البيان
  وإما عقلىّ؛ نحو: {وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ}(١)؛ فإنّ المستعار منه كشط الجلد عن نحو الشاة، والمستعار له كشف الضوء عن مكان الليل، وهما حسّيّان، والجامع ما يعقل من ترتّب أمر على آخر.
  الجامع ليس مجرد الشكل بل الشكل والخوار إما كل منهما على انفراده أو مجموع الأمرين، ومثله قوله تعالى: {وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ}(٢) فإن المستعار منه حركة الماء على الوجه المسمى موجا، والمستعار له حركة الإنس والجن أو يأجوج ومأجوج وهما حسيان والجامع ما يشاهد من شدة الحركة والاضطراب قال السكاكى:
  ومنه قوله عز اسمه: {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً} فالمستعار منه النار، والمستعار له الشيب، والجامع بينهما هو الانبساط، والثلاثة حسية (قلت): مراد السكاكى: أن الشيب هنا استعارة بالكناية، استعير لفظ الشيب، والمراد النار، بعد ادعاء أن الشيب فرد من أفراد النار، ثم ذكر اشتعل استعارة تخييلية؛ لأن الاستعارة التخييلية، تقترن بالاستعارة بالكناية، وقد اعترض عليه المصنف بأن قال: «ليس ذلك مما نحن فيه؛ لأن فيه تشبيهين: تشبيه الشيب بشواظ النار في بياضه وإنارته، وتشبيه انتشاره في الشعر باشتعاله في سرعة الانبساط مع تعذر تلافيه، والأول استعارة بالكناية، والجامع في الثاني عقلي، وكلامنا في غيرهما.
  قلت: فيما قاله نظر، أما قوله: «ليس كلامنا في الاستعارة بالكناية» فصحيح بالنسبة إلى المصنف، فإنه لم يتكلم في الاستعارة بالكناية في هذا الباب. أما السكاكى، فإنه ذكر جميع أقسام الاستعارة، ثم عقبها بتقسيم الاستعارة على الإطلاق إلى هذا التقسيم، فكلامه أعم من ذلك، نعم المصنف لا يصح منه هذا المثال؛ لأن الاستعارة بالكناية عنده مستعملة في موضوعها حقيقة، فلا مدخل له في هذا القسم، إذ الحقيقة ليس فيها مستعار ومستعار منه، وجامع، وأما قوله: «الجامع في الثاني عقلي» فليس كذلك لأن الجامع في الثاني مركب من عقلي وحسى، لأن الانبساط حسى، وتعذر التلافي عقلي، لا يقال: هذا لا ينجى السكاكى من الاعتراض، لأنه جعل الجامع حسيا، لأنا نقول: السكاكى لم يجعل تعذر التلافي جزءا من الجامع، بل قال: الجامع هو الانبساط. ورأى الطيبي(٣) في الجواب عن هذا السؤال أن التشبيه
(١) سورة يس: ٣٧.
(٢) سورة الكهف: ٩٩.
(٣) انظر كلام الطيبي في التبيان بتحقيقى ١/ ٣١١ - ٣١٢ ط المكتبة التجارية - مكة.