الفن الثاني علم البيان
  
  يستقيم أن تقول: «نزعت ضوء الشمس ففاجأ الظلام» كما لا يقال: «كسرت الكوز ففاجأ الانكسار» بخلاف قولك: «أخرجت النهار من الليل ففاجأ الليل» قلت: ما ذكره من أنه لا يقال: «غابت الشمس فإذا الظلام ممنوع» وقد قال - تعالى -: {حَتَّى إِذا جاؤُها}(١) بعد قوله تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً}(٢) وإن كان مجيئهم عقب سوقها إليها، والذي ألجأ الشيرازي إلى هذا التكلف أنه ظن أن ظهور النور من الظلمة لا يكون إلا ببقاء النور ظاهرا وطلوع الشمس. وليس كذلك فإنما يريد السكاكى بخروج النور وظهوره خروجه عن الأفق، فلا يبقى منه شئ عند غروب الشمس وزوال الشعاع واللّه أعلم.
  بقي على الجميع اعتراض، وهو أن قولهم: إن الطرفين حسيان والجامع عقلي ممنوع، يحتمل أن يقال: إن ترتيب أمر من هذين على الآخر حسى، فإن خروج الجلد وانصراف النهار وظهور الظلمة والشاة كله محسوس مشاهد فهو حسى، ويمكن أن يقال: كشف الضوء وهو إزالته غير محسوس بل متعقل وإنما المحسوس الضوء نفسه.
  وقد يجاب عنه بأن إزالة النور هو إغابة الشمس وهو مشاهد وبروز الظلمة مشاهد، وذلك ترتيب لا ترتب، والجامع ليس ذلك بل هو الترتب، فالترتيب حسى والترتب الذي هو أثره عقلي، وكذلك كشف النور عن الظلمة حسى، وانكشافه المرتب على الكشف عقلي، لكن هذا التحقيق يجر إلى فساد أن يكون الترتيب وهو الجامع، ويقتضى أن يكون الجامع هو ترتب شئ على آخر فحينئذ يصح الاعتراض، ويرجع حاصله إلى أن الجامع ليس الترتيب بل الترتب والترتب حسى، ومثل السكاكى استعارة ما طرفاه حسيان ووجه عقلي بقوله تعالى: {إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ}(٣) فالمستعار له الريح، والمستعار منه المرأة، والجامع المنع عن ظهور النتيجة والأثر، فالطرفان حسيان والجامع عقلي. قال المصنف: فيه نظر، لأن العقيم صفة للمرأة لا اسم لها، ولذلك جعله صفة للريح لا اسما، كأنه يريد أن العقيم هو المستعار منه، وهو صفة فهو عقلي، وقد تقدم لنا في باب التشبيه الكلام على المستعار من اسم الفاعل ونحوه وأنهم عدوها عقلية، وإن كانت واقعة على ذات كقوله:
(١) سورة الزمر: ٧١.
(٢) سورة الزمر: ٧١.
(٣) سورة الذاريات: ٤١.