عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح،

بهاء الدين السبكي (المتوفى: 763 هـ)

مقدمة في بيان معنى الفصاحة والبلاغة.

صفحة 79 - الجزء 1

  والتعقيد: ألّا يكون الكلام ظاهر الدّلالة على المراد؛ لخلل: إمّا في النظم: كقول الفرزدق في خال هشام:

  وما مثله في النّاس إلّا مملّكا ... أبو أمّه حىّ أبوه يقاربه

  أي: ليس مثله في الناس حىّ يقاربه إلا مملّكا أبو أمّه⁣(⁣١) أبوه.


  قوله: (التعقيد أن لا يكون ظاهر الدلالة على المراد لخلل إما في النظم).

  يعنى في اللفظ، وهو أن يختل على السمع نظم الكلام فلا يدرى كيف يصل إلى معناه، كقول الفرزدق يمدح إبراهيم بن هشام بن إسماعيل المخزومي، خال هشام بن عبد الملك بن مروان. هذا هو الصواب. وفى المهذب للشيخ أبي إسحاق يمدح هشام بن إبراهيم بن إسماعيل بن الوليد بن المغيرة، فوضع هشاما موضع إبراهيم، ووضع إبراهيم موضع هشام؛ فإن الممدوح إبراهيم بن هشام لا هشام بن إبراهيم. واعلم أن الشيخ محيي الدين النووي توهم أن الشيخ وهم بأن جعل الممدوح هشاما، وإنما هو ولده إبراهيم وليس كذلك؛ بل الشيخ علم الممدوح وأباه ولكن وهم في تسمية كل منهما باسم الآخر، فقد اشتبه عليه الاسم لا المسمى، ثم أوجب هذا الوهم للشيخ محيي الدين أنه أبقى إبراهيم قبل هشام، كما هو في عبارة الشيخ أبي إسحاق؛ لتوهمه أن إبراهيم الذي ذكر الشيخ أنه ولد هشام غير إبراهيم الذي هو ابنه، فقال: إن الممدوح إبراهيم بن هشام بن إبراهيم، وإنما هو إبراهيم بن هشام بن إسماعيل، ثم إن الشيخ محيي الدين لما جعل إبراهيم والد هشام، أسقط ذكر أبيه إسماعيل، ثم إنه جعل جد هشام هو المغيرة، وإنما المغيرة هو جد جده، فإنه هشام بن إسماعيل بن هشام بن الوليد بن المغيرة، وقد حررت نسبته كذلك من أنساب القرشيين للشيخ شرف الدين الدمياطي بخطه، ومن مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر اختصار الذهبي بخطه، ثم اجتمع الشيخ أبو إسحاق والنووي على إسقاط هشام والد إسماعيل، فحاصله أن الشيخ أبا إسحاق وهم في أمرين، والشيخ محيي الدين وهم في أربعة أمور، اشتركا منها في وهم واحد، فاجتمع في كلاميهما خمسة أوهام. إذا تحرر ذلك فبيت الفرزدق المذكور:

  وما مثله في النّاس إلا مملّكا ... أبو أمّه حىّ أبوه يقاربه⁣(⁣٢)


(١) مملكا: أي رجل أعطى الملك وهو هشام المذكور، وأبو أمه: أي أبو أم هشام أي أبو الممدوح وهو خال هشام، وحاصله الإخبار بأن الممدوح لا مثل له في الناس إلا ابن أخته الذي هو المملك.

(٢) البيت من الطويل، وهو للفرزدق في دلائل الإعجاز ص ٨٣، وشرح عقود الجمان (١/ ١٤)، ولسان العرب (ملك)، ومعاهد التنصيص (١/ ٤٣) والإيضاح ص (٦). وهو في مدح خال هشام بن عبد الملك بن مروان: أحد ملوك بنى أمية وخاله الممدوح إبراهيم بن هشام بن إسماعيل المخزومي.