الفن الثاني علم البيان
  فالتشبيه في الأولين(١) لمعنى المصدر، وفي الثالث(٢) لمتعلّق معناه(٣)؛ كالمجرور في:
  (زيد في نعمة)؛ فيقدّر في: (نطقت الحال) و: (الحال ناطقة بكذا): للدّلالة بالنّطق، وفي لام التعليل؛ نحو: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً}(٤): للعداوة والحزن بعد الالتقاط، بعلّته الغائية.
  استعارة الحروف تبعية. قال السكاكى: الاستعارة تقع في متعلقات معانيها ثم يسرى فيها، وأعنى بمتعلقات معانيها ما يعبر عنها عند تفسيرها، كقولنا: «من» لابتداء الغاية، فليس الابتداء معناها، إذ لو كان معناها لكانت اسما، وإنما هي متعلقات معانيها، فإذا أفادت هذه الحروف معاني رجعت إلى هذه بنوع استلزام، فإذا أردت استعمال «لعل» لغير معناها قدرت الاستعارة في معنى الترجى، ثم استعملت هناك «لعل» وهذا معنى قول المصنف: (فالتشبيه في الأولين) يعنى الفعل والصفات (لمعنى المصدر وفي الثالث) أي الحرف (لمتعلق معناه)، (قوله: كالمجرور في: زيد في نعمة) مثال للاستعارة في الحرف. قال الخطيبي: وفيه نظر، لأن المجرور هو قولنا: نعمة، وليست متعلق معناه، وهو مطلق الظرفية، ومعناه هو ظرفية النعمة للاستقرار فيها. وقرره غير الخطيبي بأن المعنى أن «في» معناها الظرفية، وللظرفية متعلق «بالفتح» قام ذلك المعنى به، وهو «الدار» مثلا في الظرف الحقيقي، فهنا وقع تشبيه النعمة المشتملة على زيد بالدار المشتملة عليه، واستعمل في النعمة كلمة «في» التي من حقها أن تستعمل في «الدار» فالاستعارة في الحرف استعماله فيما لا يكون متعلق معناه، بل هو شبيه بمتعلق معناه. (قوله: فيقدر) أي التشبيه في قولنا: «نطقت الحال بكذا» وهو مثال للفعل وفي قولنا: «الحال ناطقة بكذا» وهو مثال للصفة للدلالة بالنطق بجامع ما بينهما من الإيضاح، ثم يعبر عن ذلك بالفعل، أو الوصف، فتقول: نطقت الحال وهي ناطقة بكذا. قلت: وقولنا: الحال ناطقة بكذا. كيف يصح عده من الاستعارة وهو عند المصنف تشبيه؟ فهذا مخالف لكلامه الماضي، وموافق لما حققناه: (قوله: وفي لام التعليل) أي ويقدر التشبيه في لام التعليل في نحو: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً} للعداوة والحزن الحاصلين بعد الالتقاط على إرادة العلة الغائية للالتقاط لترتب وجودهما على وجود الالتقاط، وليست اللام هنا للغرض؛ لأن حقيقة الغرض ترتب أمر على أمر،
(١) أي: الفعل وما يشتق منه.
(٢) أي: الحرف.
(٣) وهو مثلا الابتداء في من.
(٤) سورة القصص: ٨.