الفن الثاني علم البيان
  ومرشّحة: وهي ما قرن بما يلائم المستعار منه؛ نحو: {أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ}(١).
  وقد يجتمعان في قوله [من الطويل]:
  لدى أسد شاكي السّلاح مقذّف ... له لبد أظفاره لم تقلّم
  له حقيقية أم مجازا ونظير الآية الكريمة في أن تجريد الاستعارة وقع بما يلائمها مجازا بيت كثير السابق، فإن الغمر حقيقة في الماء الكثير، فإطلاقه على الكثير من المعروف، وتجريده لاستعارة الرداء للمعروف تجريد بما يلائم المستعار له مجازا لا حقيقة.
  والقسم الثالث: المرشحة، وهي المقرونة بما يلائم المستعار منه كقوله تعالى: {أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ} فإنه استعير الشراء للاختيار، فرشح بالربح، والتجارة اللذين هما من متعلقات الشراء. وقال الطيبي: إنه اجتمع في هذه الآية الكريمة الترشيح، والتجريد، فالترشيح في قوله تعالى: {اشْتَرَوُا} والتجريد في قوله تعالى: {وَما كانُوا مُهْتَدِينَ}(٢) وفيه نظر، ومن هقوله الشاعر(٣):
  ينازعني ردائي عبد عمرو ... رويدك يا أخا عمرو بن بكر
  لي الشّطر الذي ملكت يميني ... ودونك فاعتجر منه بشطر
  فقد استعار الرداء للسيف، ووصفه بالاعتجار الذي هو وصف الرداء رعاية للمستعار.
  وقوله: و «قد يجتمعان» أي يجتمع التجريد، والترشيح كما في قول زهير:
  لدى أسد شاكي السّلاح مقذّف ... له لبد أظفاره لم تقلّم(٤)
  (تنبيهات): أحدها: اعلم أن المراد بقولنا: «الوصف الملائم» في هذا الباب ما كان مناسبا سواء أكان بالحقيقة أم المجاز، ممكنا أم مستحيلا، فإن المستحيل قد يوصف به باعتبار التخييل وغير الملائم ما لم يكن مناسبا سواء أكان ممكنا أو مستحيلا، وأعنى بالمناسب ما يذكر معه غالبا ويختص به، إذا تقرر ذلك، فاعلم أن الوصف المذكور مع الاستعارة على أقسام: الأول: ما لا يلائم واحدا من الطرفين لا حقيقة ولا مجازا، مثل: «رأيت أسدا بحرا» فإن بحرا استعارة ثانية لا يحصل بها ترشيح، لقولك: «أسدا» لأن البحر ليس مناسبا للشجاع، ولا مناسبا للحيوان المفترس.
(١) سورة البقرة: ١٦.
(٢) سورة البقرة: ١٦.
(٣) الإيضاح بتحقيقى ص: ٢٧٠.
(٤) سبق تخريجه.