عروس الأفراح في شرح تلخيص المفتاح،

بهاء الدين السبكي (المتوفى: 763 هـ)

الفن الثاني علم البيان

صفحة 186 - الجزء 2

  كما في قول الهذلىّ [من الكامل]:

  وإذا المنيّة أنشبت أظفارها ... ألفيت كلّ تميمة لا تنفع


  بالكناية لا توجد دون الاستعارة التخييلية، وأما عكسه فظاهر كلام المصنف أنه كذلك، فلا توجد التخييلية دون المكنية، وكلام السكاكى على خلافه، وأشار إلى أن الاستعارة التخييلية معنى، لا لفظ بقوله: «ويسمى إثبات ذلك تخييلية» ولم يقل ويسمى ذلك؛ اللازم استعارة وسيأتي تحقيق ذلك وتحقيق المراد بالاستعارة التخييلية في الفصل بعده - إن شاء اللّه تعالى - وقد مثل المصنف في الإيضاح للاستعارة المكنية والتخييلية بقول لبيد:

  وغداة ريح قد كشفت وقرّة ... إذ أصبحت بيد الشّمال زمامها⁣(⁣١)

  فإنه شبه الشمال بالإنسان في تصريفها به، فجعل لها يدا بالتخييل، وكذلك الزمام مع القرة التي هي مرادة بالضمير في قوله: «زمامها» فالقرة استعارة بالكناية، والزمام للتخييل، وسيأتي على التمثيل بهذا البيت بالنسبة إلى يد الشمال سؤالان، ومثل المصنف هنا، وهو مثال لأحد قسميها على ما سيأتي بقول الهذلي وهو أبو ذؤيب الهذلي يرثى بنين له خمسة ماتوا في عام واحد مطعونين، وكانوا ممن هاجر إلى مصر، ومات أبو ذؤيب في زمن عثمان - رضى اللّه عنه - ومستهل القصيدة:

  أمن المنون وريبها تتوجّع ... والدّهر ليس بمعتب من يجزع

  أودى بنىّ وأعقبونى حسرة ... عند الرّقاد وعبرة ما تقلع

  فالعين بعدهم كأنّ حداقها ... سمّت بشوك فهي عور تدمع

  سبقوا هوىّ وأعنقوا لهواهم ... فتخرموا ولكلّ جنب مصرع

  ولقد حرصت بأن أدافع عنهم ... وإذا المنيّة أقبلت لا تدفع

  وإذا المنيّة أنشبت أظفارها ... ألفيت كلّ تميمة لا تنفع


(١) ديوان لبيد ص: ٢٣٠، وفي رواية الديوان:

وغداة ريح قد وزعت وقرّة ... قد أصبحت بيد الشمال زمامها

والمصباح ص: ١٣٣، ١٣٤، والإيضاح بتحقيقى ص: ٢٧٧، ودلائل الإعجاز ص: ٦٧ بتحقيق محمود محمد شاكر.

والقرة والقر: البرد.