مقدمة في بيان معنى الفصاحة والبلاغة.
  ٢ - وإمّا في الانتقال(١): كقول الآخر(٢) [من الطويل]:
  سأطلب بعد الدّار عنكم لتقربوا ... وتسكب عيناي الدّموع لتجمدا
  فإن الانتقال(٣) من جمود العين إلى بخلها بالدموع، لا إلى ما قصده من السرور ...
  (قوله: وإما في الانتقال) يعنى أن يكون التعقيد راجعا إلى خلل معنوي، وهو أن لا يكون انتقال الذهن من المعنى الذي هو ظاهر إلى المراد ظاهرا. فإن قلت: هذا والذي قبله، يرجعان إلى المعنى فلم جعل الأول لفظيا والثاني
  معنويا؟ قلت: لأن الأول أوقع في الجهل البسيط وهو عدم الفهم، والثاني أوقع في الجهل المركب، وهو فهم الشئ على غير ما هو عليه، ومثله بقول العباس بن الأحنف:
  سأطلب بعد الدّار عنكم لتقربوا ... وتسكب عيناي الدّموع لتجمدا(٤)
  المعنى: أن من عادة الدهر معاكسة المقاصد. قال في الإيضاح: كنى بسكب الدموع عما يوجبه الفراق من الحزن، وأصاب؛ لأن البكاء يكنى به، كقول الحماسى:
  أبكاني الدّهر، ويا ربّما ... أضحكنى الدّهر بما يرضى(٥)
  قلت: لا حاجة إلى الكناية بالبكاء، وجاز أن يكون أراد حقيقته، والمراد أنه انتقل عن المعنى الظاهر وهو جمود العين إلى السرور بالاجتماع. قال: وأراد أن يكنى عما يوجبه التلاقى من السرور بجمود العين لظنه أن الجمود خلو العين من البكاء مطلقا من غير اعتبار شئ آخر وأخطأ؛ إذ الجمود خلو العين من البكاء حال إرادة البكاء منها،
(١) أي لخلل واقع في انتقال الذهن من معنى اللفظ الأصلي إلى معنى آخر ملابس للأصلى قد استعمل اللفظ ليفهم منه ذلك الملابس على وجه الكناية أو المجاز.
(٢) هو العباس بن الأحنف الشاعر الغزل المشهور. والشاهد في قوله: لتجمدا.
(٣) أي انتقال الذهن المعهود من جمود العين إلى بخلها بالدموع إنما يكون في حالة الحزن والبكاء لا في حالة الفرح والسرور.
(٤) البيت من الطويل: وهو للعباس بن الأحنف في الإيضاح ص ٧، وشرح عقود الجمان ١/ ١٥، والبيت في ديوانه أيضا ص ١٠٦ ط دار الكتب، ودلائل الإعجاز ص ٢٦٨، والإشارات والتنبيهات ص ١٢، وبلا نسبة في التلخيص للقزوينى ص ٨.
(٥) البيت من السريع، وقوله: كقول الحماسى نسبة إلى الحماسة وهى مختارات لأبى تمام من شعر السابقين وصاحب هذا البيت هو حطان بن المعلى الشاعر الإسلامي، والبيت في شرح ديوان الحماسة للتبريزى ١/ ١٥٢، ودلائل الإعجاز ٢٦٩، وشرح عقود الجمان ١/ ١٥، والإيضاح ص ٧.