وهي ضربان: معنوى، ولفظي:
  ومن الطباق نحو قوله [من الطويل]:
  تردّى ثياب الموت حمرا فما أتى ... لها اللّيل إلّا وهي من سندس خضر
  بالطباق أن يكون مضمون الكلامين متضادا بل يعنون أن يكون المذكوران لو جرّدا من النفي والإثبات كانا في أنفسهما متضادين، فالتضاد هنا بين العصيان، وفعل المأمور به، ألا ترى أن المصنف وغيره جعلوا من الطباق: {وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ}(١) وإن كان تحسبهم أيقاظا يفهم أنهم رقود، فيوافق وهم رقود ولا تضاد وكذلك قوله تعالى: {أَ وَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ} وأخذنا الموت والحياة باعتبار الإسناد لما كان بينهما تضاد، فإن كان ميتا يفهم أنه حي، لدلالة كان - غالبا - على الانقطاع، فهو يوافق أحييناه، وكذلك: {فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ} ليس الطباق بين عدم خشية الناس، وخشية اللّه، فإن الذي بينهما تلازم لا تقابل، بل الطباق بين مطلق خشية الناس، وخشية اللّه، ولا يرد على هذا إلا جعلهم: {وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ يَعْلَمُونَ}(٢) طباقا، وقيل: الطباق في الآية بين الحال والاستقبال في {لا يَعْصُونَ}، {وَيَفْعَلُونَ} قوله: (ومن الطباق إلخ) يشير إلى نوع من الطباق يسمى «التدبيج» وهو أن يذكر في معنى من المدح أو غيره ألوان لقصد الكناية أو التورية، فالأول كقول أبى تمام:
  تردّى ثياب الموت حمرا فما أتى ... لها الليل إلا وهي من سندس خضر(٣)
  فإنه كنى بقوله «سندس خضر» عن دخول الجنة، وقد توهم بعض الشارحين أن قوله: «خضر» مجرور، واعتذر عن وصف السندس المفرد بالجمع، وليس كذلك، فإن القافية مرفوعة و «خضر» خبر وهي، ولو كانت مجرورة كان الأحسن الاعتذار بأن «سندسا» جمع سندسة، كما قيل. وأما التورية فلقول الحريري:
  «فمذ ازورّ المحبوب الأصفر ... واغبر العيش الأخضر
  اسودّ يومى الأبيض ... وابيضّ فودى الأسود
  حتى رثى(٤) لي العدوّ الأزرق ... فيا حبّذا الموت الأحمر»(٥)
(١) سورة الكهف: ١٨.
(٢) سورة الروم: ٦، ٧.
(٣) البيت لأبى تمام في ديوانه ص ٣٢٩، الطراز ج ٢ ص ٧٨، شرح عقود الجمان ج ٢ ص ٧٢، التلخيص ص ٨٦، المصباح ص ١٩٥.
(٤) هكذا في الأصل، وفي الإيضاح حتى رنا ص: ٣٠٣.
(٥) عقود الجمان ٢/ ٧٢، والإيضاح بتحقيقى ص: ٣٠٣.