تفسير جزء عم وجزء تبارك،

صلاح بن أحمد فليته (المتوفى: 1429 هـ)

تفسير سورة (المرسلات)

صفحة 103 - الجزء 1

  في قبورهم {وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ}.

  فهي الجبال المرتفعة والشامخ الرافع، ومنه شمخ بأنفه أي رفعها، {وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا ٢٧} أنزلنا عليكم الماء الفرات العذب، والتنكير هنا يفيد التبعيض، أي من الماء الذي خلقه الله في السماء في قوله: {وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ}⁣[النور: ٤٣].

  {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ٢٨} تخويف كما تقدم، {انْطَلِقُوا إِلَى مَا كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ ٢٩} أَي إلى جهنم التي كنتم بها تكذبون، لتذوقوا عذابها جزاءً للتكذيب {انْطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ ٣٠ لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ ٣١} يتعظم بثلاث شعب كالدخان العظيم، تراه يتفرق ذوائب، وهذه النار تتفرق عليهم من الجهات الثلاث، لا ظل فيها ولا ما يغني من اللهب يمنع أو يكافح، ولا يمنع من وصول لهبها ثم وصف جهنم بقوله: {إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ ٣٢ كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ ٣٣} أي: كل شررة منها كالقصر من القصور في عظمها وقيل: القصر الغليظ من الشجر، وجمالات جمع جمال شبّه الشرار بالقصر ثم بالجمال، فوقع التشبيه بالقصر من جهتي العظم والطول في الهواء، وفي التشبيه بالجمالات من ثلاث جهات: العظم، والطول، والصفرة وذلك لسان التشبيه {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ٣٤ هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ ٣٥ وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ ٣٦ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ٣٧} يوم لا ينطقون فيه ولا يتكلمون، ولا يؤذن لهم لأن يعتذرون، ومعنى ذلك لأنه لا ينفعهم أي كلام فلا يكون لهم أذن ولا اعتذار {هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ ٣٨ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ ٣٩ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ٤٠} يجمعهم الله، الأولين والآخرين للفصل بينهم، والجزاء، وإذا كان لكم كيد يرد العذاب أو دفع ما قدّر فكيدون، والمقصود به تبكيتهم وإظهار عجزهم عن قدرة الله، ثم ذكر جل وعلا أمر المتقين وحالهم {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ ٤١ وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ ٤٢} في ظلال ممدود في راحة عظيمة وهي ظلال الأشجار والقصور وغير ذلك، والعيون المياه الجارية الكثيرة، والفواكه هو ما يتفكه به من الطيبات المشتهيات {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ٤٣} أي جزاء على عملكم هنيئاً مريئاً