تفسير جزء عم وجزء تبارك،

صلاح بن أحمد فليته (المتوفى: 1429 هـ)

تفسير سورة (الملك)

صفحة 156 - الجزء 1

  العناد والصدود، والتباعد عن الحق لثقله عليهم فلم يتبعوا {أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى} كب فانكب وقشع فانقشع، من أفعال المطاوعة، بمعنى قبل الانكباب، ودخل فيه، يمشي معتسفا بمعنى التعسف وهو المشي في غير طريق فيعثر كثيراً على وجهه منكباً، فحاله نقيض حال من يمشي سوياً، أي: قائماً سالماً من العثور، والخرور على وجهه، وهو خلاف المتعسف، ويجوز أن يراد به الأعمى الذي لا يهتدي إلى الطريق فيتعسف، فلا يزال ينكب، والمراد الاستفهام، وإيضاح الفرق بين من يمشي مكباً على وجهه وبين من يمشي سوياً، وقوله {أَهْدَى} أي: من أهدى منهما لسلوك طريق الحق، الطريق الواضح، وقابله بقوله: {أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ٢٢} والفرق واضح، وأن الذي يمشي على صراط مستقيم أهدى من المتخبط الذي يمشي كالأعمى، لا يهتدي إلى الصراط السوي المستقيم {قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ ٢٣} أي: قل لهم يا محمد إن الله الذي خلقكم وجعل لكم السمع والأبصار لتتفكروا بذلك وتشكروا الله، فأنتم أيها المشركون لم تتفكروا، ولم تؤمنوا بأن الله الذي خلقكم وركب فيكم السمع والأبصار، لتسمعوا وتبصروا ما هو المواقع، لتشكروا الذي أعطاكم هذا فيجب أن تستعملوا الأسماع والأبصار فيما يدلكم على الشكر، ومعنى {قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ ٢٣}، بمعنى العدمِ {قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ٢٤} كذلك هذا احتجاج عليهم، لأن الله الذي ذرأكم أي: خلقكم كما يخلق النبات بعد أن يلقى فيه البذر وبعد ذلك إليه تحشرون، وتبعثون، وترجعون بعد موتكم إلى المحشر الذي يحشر الناس فيه، ثم أخبر سبحانه بما يقول، الكافرون {وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ٢٥} أَي: متى هذا الوعد الذي توعدون إنكار منهم، لوعد الله وأنه ليس هناك شيء، مما يخبر الله به فاتوا به إن كنتم صادقين فيما تقولون، ثم أمر نبيه، أن يرد العلم في ذلك إليه فقال: {قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ} أي: علم الغيب وما تستعجلونه وتطلبونه إن شاء عجله وإن شاء أخره {وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ ٢٦} وإنما أنا منذر ومحذر مبين لكم