تفسير سورة (الملك)
  بلغوكم فهناك إذا رأيتم المنذر به علمتم كيف إنذاري حين لا ينفعكم العلم.
  {وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} أي: الأمم السابقة الذين قد مضوا وحل بهم العقاب بسبب تكذيبهم وقد رأيتم.
  {فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ ١٨} أي: كيف حل بهم من التغييرات، والعقوبات، وما وقع بهم من النقم لما اجترؤوا عليه من المخالفات والتكذيب، ثم كرر جل وعلا الاحتجاج على المكذبين بالتنبيه على بعض قدراته فقال: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ} أي: لم ينظروا إلى الطير في الهواء وهي باسطات أجنحتها، وتسكنها وهي تطير في الهواء، والصف تسكين الأجنحة وهي تطير.
  {وَيَقْبِضْنَ} وهو الضرب بها وتحريكها من أعلى إلى أسفل، وكل ذلك حالة طيران، ويقال له: الخفق، ويخفض بها، ومع ذلك كله قال: {مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ} أي: إلا الله جل وعلا بقدرته، وبما دبر لهن من القوادم والخوافي وبني أجسامهن على كل شكل، وخصائص ما يمسكهن إلا الرؤوف ذو الفضل والإحسان {إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ ١٩} أي: يعلم كيف يخلق وكيف يدبر الخلق ويعلم بالمناسبات، وبكل جسم بما يليق به، فسبحانه من مدبر حكيم، عليم، وبصير بمعنى عليم {أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ} الاستفهام هنا توبيخي، أي من هو الجند الذي يمنع الرحمن وينصركم إن نزل بكم العذاب من {دُونِ الرَّحْمَنِ}، أي ينصركم ويمنعكم منه {إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ ٢٠} أي: مغرورون، أي غرهم الشيطان، فصاروا في غرور، أي غرهم الشيطان فتمادوا في باطلهم، {أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ} وهذا الاستفهام كالأول أي خارج مخرج التوبيخ أي: أفلا ينظرون ويتفكرون، ويتأملون إن أمسك رزقه عنكم من هو الذي يأتيكم بالرزق، من هو الذي ينزل من السماء ماء، ويخرج من الأرض نباتاً فلن يأتي أحد بعده، {بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ ٢١} بل بمعنى قد عند بعضهم أي قد لجو وهو البقاء على الباطل، في عنود وتكبر وإعراض، عن الله والنفور الإعراض والصدود وعدم الإقبال على الحق، والتمادي في الفسق بل تمادوا في