تفسير جزء عم وجزء تبارك،

صلاح بن أحمد فليته (المتوفى: 1429 هـ)

تفسير سورة (المطففين)

صفحة 81 - الجزء 1

  عظيم مع قوله تعالى: {لِيَوْمٍ عَظِيمٍ ٥ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ٦} وصف اليوم بالعظم وقيام الناس فيه خاضعين، ووصف ذاته بأنه رب العالمين، وفيه بيان بليغ لعظم الذنب والوعيد للذين يطففون وكذا ترك العدل والقيام بالقسط في كل أخذ وعطا، بل في كل قول وعمل {كَلَّا} ردع وزجر عما كانوا عليه من التطفيف والغفلة عن الحساب والبعث.

  ثم ذكر كتاب الفجار والأبرار، فقال: {كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ ٧ وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ ٨ كِتَابٌ مَرْقُومٌ ٩} ذلك كتاب الفجار، وما يكتب من أعمالهم على القول بأن هناك كتاباً حقيقاً، وسمي سجيناً من السجن، وهو الحبس، والتضييق، لأنه سبب الحبس في جهنم، ومرقوم مكتوب، وقيل: أنه عبارة عن علم الله فقط وليس هناك كتابة والمرقوم هو في علم الله كالمرقوم كتباً، حيث إنه لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها علمه جل وعلا كذا في المصابيح {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ ١٠ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ ١١} ويل قيل: وادٍ في جهنم، أو التخويف بلفظ الويل، ووصف المكذبين الذين يكذبون بيوم الدين والتكذيب بيوم الدين وهو يوم القيامة، من أعظم التكذيب، لأن فيه إبطال لكل الأعمال الدينية، ثم وصفهم ووبخهم بقوله تعالى، فقال: {وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ ١٢ إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ١٣} فوصفه بأنه لا يكذب بيوم الدين إلا كل معتد أثيم، متعد كثير الأثم، وأوضح تكذيبهم بأنهم يقولون هذا القول، وأن آيات الله من أساطير الأولين.

  ثم قال: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ١٤} أما كلا فهي ردع وزجر عن تكذيبهم، وذلك للمعتد الأثيم وقد بين سبب التكذيب بالرين الذي قد ختم على قلوبهم، والرين هو صدا يغير القلب بمعنى يغطيه عن قبول الحق، وذلك بسبب الأعمال الفاسدة، فيؤثر فيها ويسترها عن التفكر والتذكر في ما ينفعها {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ١٥} كلا هنا بمعنى حقاً إنهم محجوبون عن فضل الله وكرامته، وهو تمثيل للاستخفاف بهم وإهانتهم، كما يحجب الأذلاء عن الملوك يقال