نظرات في ملامح المذهب الزيدي وخصائصه،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

باب العدل

صفحة 67 - الجزء 1

  موجود، وما هذا حاله فلا يحتاج إلى التدليل، وكثرة القال والقيل، غير أنه لَمَّا صار لأهل هذه المقالة الشاذة كيان وكثرة أتباع دعت الحاجة إلى بيان الحقِّ ونصب الأدلة، كما دعت الحكمة من قبل إلى نصب الأدلة وتوضيح البراهين؛ لرد مذاهب المشركين الوثنية، ومزاعم السوفسطائية، وهي عند العقل باطلة بضرورته وبديهته.

  فإن قلت: وكيف راجت هذه المذاهب عند المشركين وفيهم ذووا العقول الراجحة ولا سيما قريش.

  قلت: للمجتمع والنشأة والتربية دور في تربية الخرافات ونموها، مع ما يصحب ذلك من التخيلات والتوهمات المدعاة للأوثان، ومن الأمثلة على أن الخيال قد يسيطر على العقل: ما يجده بعض من الناس من الخوف من الظلام وإن كان المكان خالياً من أي مخوف، فالعقل يحكم ضرورة بحكمه وهو بطلان الوهم والخيال، والخيال والوهم يحكم بحكمه وهو الأشباح المفجعة والدواهي الموحشة. فإذا ما سيطر الخيال على الإنسان فإن العقل يضيع ويضعف حكمه، هذا مع ما في ذلك من الموافقة لرغبات النفس وميل غريزتها، وتماماً كما قال تعالى: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ}⁣[النجم: ٢٣].

  فنقول وبالله التوفيق: الاستدلال هنا بالعقل مصادرة⁣(⁣١) في الظاهر، وبما أن المخالفين لنا في حكم العقل هم من المنتمين إلى القرآن فنكتفي في الاستدلال على بطلان مذهبهم به.


(١) أي لا يستقيم الاستدلال عليهم بالعقل وهم ينكرون حكمه.