[أطوار خلق الإنسان]
  ثلاثمائة وستون عرقاً، فالعروق تسقي الجسد، والعظام تمسكها، والعصب واللحم يشد العظام؛ فلكل يدٍ أحد وأربعون عظماً، للكف من ذلك خمسة وثلاثون عظماً، وللساعد عظمان، وللعضد عظم، وللتراقي ثلاثة أعظم، وكذلك اليد الأخرى؛ وللرجل ثلاثة وأربعون عظماً، للقدم من ذلك خمسة وثلاثون عظماً، وللساق عظمان، وللركبة ثلاثة أعظم، وللورك عظمان، وكذلك الرجل الأخرى.
  وللصلب ثمانية عشر فقاراً. ولكل جنب تسعة أضلع وللرقبة ثمانية أعظم، وللرأس ستة وثلاثون عظماً، وللأسنان من ذلك اثنان وثلاثون عظماً. وطول الأمعاء خمسة أذرع، فسبحان الله خالق الإنسان خلقاً بعد خلق، في ظلمات ثلاث، حتى إذا حان أوان خروجه من بطن أمه إلى الأرض لم يقدر أحد على إخراجه أبداً، ولو اجتمعت الإنس والجن ما أحسنوا ذلك.
  فسبحان من أخرجه سوياً لا يعرف أحداً، ولا يسأل رزقاً، قد أوجد الله له رزقه في صدر أمه، لبناً يغذوه به؛ لضعفه وقلة بطشه.
  حتى إذا جلّ عظمه، وكثر لحمه، وقطع سنه، وطحن ضرسه، وبطشت يده، ومشى على قدمه، وعرف أن الله خالقه، الذي أفضل عليه، ورزقه قبل خروجه وبعد خروجه في مهده - نسي ذلك وجحده، ورجع يطلب رزقه من مخلوق مثله {قُتِلَ الْإِنْسَانُ ما أَكْفَرَهُ}[عبس: ١٧].
  أما علم أن الذي رزقه في ضعفه هو يرزقه في وقت قوته؟! أما سمع ما قال الله تعالى في كتابه لنبيه ÷: {لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى}[طه: ١٣٢]؟!
  أما سمع قول الله سبحانه وتعالى - حيث أقسم في كتابه فقال عز من قائل: {وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ فَوَرَبِّ السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ}[الذاريات: (٢٢، ٢٣) ]؟ أما سمع قول النبي ÷ حيث قال: «لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها»، وقال: «لو أن أحدكم هرب من رزقه كما