[حساب النفس]
  كيف لا يهتم ولا يغتم، من لا يدري أي عمل به يختم؟ كيف يهناه رقاده، وكيف يتوسد وساده، وكيف يسكن نفسه وفؤاده، وهو لا يدري أهو من أهل الشقاوة أم من أهل السعادة؟! كيف يسكن إلى الدار والجار، ويقرّ به القرار ويأكل في الليل والنهار - من هو موعود بعذاب النار، وغضب الجبار؟!
  لا تقصر في عمل الأخيار، ولا تسلك طريق الفجار، ولا تكسب الأوزار، وأطع ربك في الليل والنهار. ولا تأمن فتغتبن، ولا تجمع فتفتتن، وتَجَوَّع ولا تشبع، وتَوَرَّع ولا تطمع، وخف واحزن، فمنزلك القبر، وثوبك الكفن.
  كيف يلهو بالملاهي - من بين يديه الدواهي؟ كيف يكسب الآثام - من وكل به الملائكة الكرام؟ كيف يضحك ويفرح - من عليه غداً يُضْرَح، وللدود والهوام يطرح، كيف يفرح ويَسْتَر - من يموت ويقبر؟
[حساب النفس]
  قال الوافد: ما لي لا أخفف اشتغالي؟ ما لي لا أترك جهلي؟ ما لي لا أتبع عقلي؟ ما لي لا أجهد؟ ما لي لا أخدم؟ ما لي لا أحْزِم؟ إلى متى الرقاد؟ إلى متى السهاد؟ إلى متى أخالف بما أعلم؟
  أما أعلم أني إلى الله أقدِم؟ أين الحزم؟ أين العزم؟ أين الجهد؟ أين القصد؟ ما هكذا يكون العبد؟ إلى متى أنقض العهد؟ إلى متى أخلف الوعد؟ إلى متى أقول غداً أو بعد غد؟! أما أعلم أن سكني اللحد؟
  ما أقسى فؤادي! نسيت معادي، ما أقل زادي! قرب سفري، وركبت خطري، الآن تخلو الحدة، الآن تنقضي المدة، الآن ينزل الموت، الآن يقع الفوت، الآن يسمع الصوت، الآن يغلق الباب، الآن أفارق الأحباب، الآن أنقل إلى التراب، الآن أُحضر إلى الحساب، الآن أعاين البلاء.
  ما لي لا أنتهي عن الهوى؟ ما لي لا أتبع الهدى؟
  لا بد من سفر، لا بد من حضر، لا بد من يوم، لا بد من موت.