كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب التثنية

صفحة 101 - الجزء 1

  قد جاء: {فَقَدَرْنا فَنِعْمَ الْقادِرُونَ} (٢٣)⁣(⁣١) أي: فنعم القادرون نحن، وهو عالم، ولا يسمى عاقلا.

  فقول أبي علي: أعم، وأحسن، لاشتماله على الصفتين: صفة القديم، وصفة المخلوق.

  [فإن قلت]: فقد قالوا: لغة، ولغون، وثبة، وثبون، وقلة، وقلون. فجمعوا هذه الأسماء بالواو، والنون. وهذا الجمع عندك، لأولي العلم، وهذه الأشياء خارجة عنهم؟!.

  [قلت]: هذه الأشياء، محذوفات اللام، لأن لغة، من لغوت، أو لغا⁣(⁣٢) بالشيء. وقلة، من: قلوته⁣(⁣٣) بالعصا. وثبة، من: ثيّبت محاسنه. فلما كان كذلك، جاءت هذه الجموع جبرانا لما حذفوه، وعوضا عنه، لأنهم مما يعوضون الشيء من الشيء. [فإن قلت]: فقد قالوا: أرض، وأرضون، وليس هذا من أهل العلم، ولا مما حذف لامه، فإن (أرضا)، مؤنث، وحقه أن يكون بالتاء، كأنّ حقه: أرضة، لأن الأرض مؤنثة، فلما لم يستعمل التاء، كان التاء في نية التقدير، فصار، ك: لغين، وثبين. [فإن قيل]: فلم لم يقولوا: قدر، وقدرون، فإن [٢١ / أ] هذا كأرض؟!.

  [قلت]: إنا نتكلم فيما تكلموا به، ونعل ما نطقوا به، فلو نطقوا بقدرين، لكانت هذه علته.

  فأما إذا استحسن شيء في موضع، واستعمل فيه ما لم يستعمل في أخواته استحسانا ما، فلا يلزم من أخواته، لأن ذلك خروج عن القاعدة. فأما قوله، #، فيما روي عنه: إنه (كان تلطح أغيلمة بني عبد المطلب، وهو يقول: أبينيّ، لا ترموا جمرة العقبة، حتى يطلع الفجر)⁣(⁣٤)، [وقول الشاعر]:

  ٤٢ - إن يك: لا ساء، فقد ساءه ... ترك أبينيك إلى غير راع⁣(⁣٥)

  [وقول الآخر]:

  ٤٣ - زعمت تماضر أنّني، إما أمت ... يسدد أبينوها الأصاغر خلّتي⁣(⁣٦)

  فإن (أبينين) عند سيبويه⁣(⁣٧): تصغير أبنا، على وزن: أعمى اسم مكبّر، مفرد، لفظا، دال على الجمع. فأبنا: أفعل، كأعمى، فتصغيره: أبين، مثل: أعيم، ثم يجمع بالواو، والنون، فيقال: أبينون، كقولهم: أعيمون. فقوله: أبينيّ: منادى مضاف، حذف النون، للإضافة، وأدغم الياء، أعني


(١) ٧٧: سورة المرسلات ٢٣.

(٢) اللسان (لغا) ١٥: ٢٥٠.

(٣) أي: ضربت. اللسان (قلا) ١٥: ١٩٩.

(٤) سنن ابن ماجة ٢: ١٢٥، ١٢٦، وكنز العمال ٥: ٧٩، وفيه: (تطلع الشمس)، بدل: (يطلع الفجر).

اللطح: الضرب بباطن الكف منشورة ضربا غير سديد. التاج (لطح) ٧: ٩٠.

(٥) البيت من السريع، للسفاح بن بكير بن معدان اليربوعي، في: المفضليات ٣٢٣، والخزانة ٨: ٣١، ٣٤.

(٦) البيت من الكامل، لسلمي بن ربيعة، في: ديوان الحماسة ١: ٢١٢، وأمالي القالي ١: ٨١، واللسان (خلل) ١١: ٢١٥، وفيه: لسلمى بنت ربيعة، وقد وهم، والخزانة ٨: ٣٠.

وبلا نسبة في: ابن يعيش ٩: ٥، ٤١.

(٧) الكتاب ٣: ٤٥٦، وفيه: (كما قالوا: ابينون. كأنهم حقروا: أبنى، مثل أعمى)، وفي موضع آخر (٣: ٤٨٦) وردت (ابنا) مقصورة.