باب المبتدأ
  سبقوا. فحذف أن. وقال فيما أنشده سيبويه:
  ٥١ - فلو لا رجال من رزام أعزّة ... وآل سبيع أو أسوءك علقما
  قال: كأنه قال: لو لا ذاك، أو أن أسوءك. لا بد من ذا، لأن الفعل لا يحمل على الاسم.
  ولهذا قال الخليل، إن قوله: {أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ}(١). أنه محمول على (أن) أخرى(٢)، دون التي في قوله: {وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ}(٣) لأن في حمله على: أن يكلمه الله، فساد المعنى، لأنه يصير التقدير: وما كان لبشر أن يكلمه الله أو يرسل رسولا. ومعنى قوله: أو يرسل رسولا: أو يرسله رسولا، أو يرسل إليه رسولا، وكلاهما [٢٥ / أ] في الحمل على (أن يكلم)، من قوله: أن يكلمه الله: فاسد لأن كثيرا من البشر أرسلوا رسولا، وأرسل إليهم رسول. فإذا بطل حمله على: أن يكلمه الله، حمل على (أن) أخرى. فإما أن تقول: إن قوله: {إِلَّا وَحْياً}(٤) في تقدير: إلا أن يوحي: فكان قوله: (أو يرسل) في تقدير: أو أن يرسل، ليكون التقدير: إلا وحيا، أو كلاما من وراء حجاب، أو إرسال رسول. أو يكون (يرسل)، محمولا على (أن) من غير أن يكون محمولا على (وحي)، مدلولا عليه، لكن تضمر (أن)، كما أضمرت في: تسمع بالمعيدي. وإن لم يكن قبله مصدر. [روى] سيبويه:
  ٥٢ - للبس عباءة، وتقرّ عيني ... أحبّ إليّ من لبس الشفوف(٥)
  قال: التقدير: للبس عباءة، وأن تقر عيني، فهو كقولك: (أو يرسل رسولا) وقال تعالى: {كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌ}(٦) فإما أن يكون التقدير: بعد إيمانهم وأن شهدوا، فحذف (أن). أو أن يكون التقدير: بعد أن آمنوا، وشهدوا. لأن ذكر المصدر ذكر الفعل مع (أن). ألا ترى أنه تعالى قال: {يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا}(٧) ف (أن) مع ما بعده في تقدير المصدر. والتقدير: يبين الله لكم الضلالة. وإذا بيّن الضلالة فقد بيّن الهدى. وإذا كان كذلك، لم يكن قوله: {يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} محمولا على إضمار (لا)، ولا محمولا على إضمار المضاف، لأن الحمل على الظاهر أولى، وأحرى. فقد ثبت بهذا جواز إضمار (أن). وقد حكى أحمد بن
= ينظر: مجمع البيان ٤: ٥٥٤، وتفسير القرطبي ٨: ٣٣، ٣٤.
(١) البيت من الطويل، للحصين بن الحمام المري، في: الكتاب ٣: ٥٠، والمفضليات ٦٦، والخزانة ٣: ٣٢٤. ٤٢: سورة الشورى ٥١.
(٢) الكتاب ٣: ٤٩.
(٣) ٤٢: سورة الشورى ٥١.
(٤) ٤٢: سورة الشورى ٥١.
(٥) البيت من الوافر، لميسون بنت بحدل الكلبية في: الكشاف ٢: ٢٨٤، ٤: ٤٥٧، (شرح شواهد الكشاف)، والمغني ١: ٢٦٧، وشرح شذور الذهب ٣١٤، والخزانة ٨: ٥٠٣، ٥٠٤، ٥٧٤.
وبلا نسبة في: الكتاب ٣: ٤٥، والتحصيل ٣٩٤، والمقتضب ٢: ٢٧، وابن يعيش ٧: ٢٥، والجمل ١: ١٣١، وعمدة الحافظ ٣٤٤، وشفاء العليل ٢: ٩٣٧، وهمع الهوامع ٤: ١٤١.
(٦) ٣: سورة آل عمران ٨٦.
(٧) ٤: سورة النساء ١٧٦.