كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب خبر المبتدأ

صفحة 116 - الجزء 1

  للتنكير، ثم عرف، فقيل: الآن كرجل والرجل. [فإن قلت]: فإن يزيد بن القعقاع المدني⁣(⁣١) روي عنه: {قالُوا طائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ}⁣(⁣٢) فهلا كان ذلك دليلا لقول الفراء من أن [٢٨ / ب] (الآن)، أصله: آن، سمي به؟!.

  [قلت]: هذا غير معروف، ولا يثبت بمثله الأصول. على أنه إن صح فهو: ك (أين) وآن: ك (عاب) و (عيب) وليس من (الآن) في شيء. فالضمير الذي في (قائم) ليس على حد الضمير الذي في الفعل، لما ذكرنا، ولأن اسم الفاعل بضميره، لا يكون صلة لموصول. لا تقول: جاءني الذي قائم. كما يكون الفعل صلة للذي في قولك: جاءني الذي قام. فعلمت بذلك، أن الضمير الذي في قائم، مطّرح، لأنهم ثنّوها، وجمعوها على حد تثنية الأسماء، وجمعها. أعني الأسماء غير المشتقة. فقالوا: قائمان، وقائمون. ولم يكن ليكون مثل: يقومان، ويقومون. لما ذكرناه من تمام الذي ب (يقومان، ويقومون)، ونقصانه، في نحو: قائمين، وقائمين. فهذا الضمير مطرح. وإنما يرتفع به الظاهر، أعني باسم الفاعل إذا جرى خبرا على المبتدأ، نحو: زيد قائم أبوه. أو صفة لموصوف، نحو: مررت برجل قائم أبوه. أو صلة لموصول، نحو: الذي قائم أبوه في الدار. أو حالا لذي حال، كقولك: مررت بزيد قائما أبوه. فيقوى حين جرى على ما تقدم عليه مشابهته بالفعل. وأما غير المشتق، فعلى ضربين: ضرب: هو هو، وضرب: منزّل منزلته، فالذي هو هو: زيد أخوك. فالأخ زيد، وزيد الأخ. فهذا لا ضمير فيه عندنا⁣(⁣٣)، لأنه ليس بمشتق. والذي هو منزل منزلته، قوله تعالى: {وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ}⁣(⁣٤) فأزواج النبي نودين بأمهات للمؤمنين في الحقيقة، لأنه قال: {إِنْ أُمَّهاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ}⁣(⁣٥). ولسن ولدن المؤمنين، رضي الله عنهن، ولكنهن بمنزلة أمهاتهم، في امتناع التزوج بهن، وحرمتهن عليهم، كما هو شأن الأمهات. فأما قوله، #: (ذكاة الجنين ذكاة أمه)⁣(⁣٦) فقد زعموا أنه من هذا الباب. أي: ذكاة الجنين، نزّلت منزلة ذكاة أمه. وهذا، وإن احتمله اللفظ. فالحمل على أن يكون: ذكاة الجنين مثل ذكاة أمه. يعني


(١) هو: أبو جعفر، يزيد بن القعقاع (ت ١٢٨ هـ، أو ١٣٠ هـ). أخذ القراءة عن: مولاه (عبد الله بن عياش)، وعبد الله بن عباس، وأبي هريرة. روى القراءة عنه: نافع المدني، وأبو الحارث، عيسى بن وردان، وأبو عمرو، وآخرون. كان إمام أهل المدينة في القراءة، فسمي: القارئ. ينظر: غاية النهاية ٢: ٣٨٢ - ٣٨٤.

(٢) ٣٦: سورة يس ١٩. وينظر: المغني في توجيه القراءات العشر المتواترة ٣: ١٧٤.

(٣) يعني: عند البصريين. أما الكوفيون فقد ذهبوا إلى أن خبر المبتدأ، إذا كان اسما محضا (أي: جامدا) فقد تضمن ضميرا، يرجع إلى المبتدأ، نحو: زيد أخوك. والى ذلك ذهب من البصريين: علي بن عيسى، والرماني. الإنصاف (مسألة ٧) ١: ٥٥، ٥٦.

(٤) ٣٣: سورة الأحزاب ٦.

(٥) ٥٨: سورة المجادلة ٢.

(٦) سنن ابن ماجة ٢: ١٤٩، وسنن الدارمي ١: ١٢، وسنن أبي داود ٣: ١٣٧، والمعجم الكبير - للطبراني ٤: ١٦٢، وينظر: اللسان (ذكا) ١٤: ٢٨٨.