كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب خبر المبتدأ

صفحة 117 - الجزء 1

  يذكّى كما ذكّي [الآخر]⁣(⁣١) بدلالة الرواية الأخرى. ذكاة الجنين ذكاة أمه، بالنصب. على أن يكون التقدير: أن يذكى الجنين ذكاة مثل ذكاة أمه فحذف المصدر، فصار التقدير: ذكاة الجنين مثل ذكاة أمه، فحذف المثل المضاف [٢٩ / أ] وأقيم المضاف إليه مقامه، فصار: ذكاة الجنين، ذكاة أمه. كما قال: {وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ}⁣(⁣٢). فقوله: ذكاة أمه، منصوب بقوله: ذكاة الجنين.

  لأن ذكر المصدر، ذكر أن مع الفعل، كما أن ذكر أن مع الفعل، ذكر المصدر. وقد تقدم بعض ذا. فذكاة الجنين: مبتدأ، وذكاة أمه: منصوب به. والخبر مضمر استغني عنه، لطول الكلام، بما في صلة الموصول، وهم مما يستغنون بطول الكلام عن ذكر الخبر. قالوا: لو لا زيد لهلك عمرو. فلم يذكروا خبر زيد. والتقدير: لو لا زيد بالحضرة لهلك عمرو. فاستغنوا عن ذلك الخبر، بطول الكلام، لما طال الكلام، بجواب لو لا. ومما جاء من ذلك في الشعر، [قول الشاعر]:

  ٦١ - علين بكديون، وأبطنّ كرّة ... فهنّ إضاء صافيات الغلائل⁣(⁣٣)

  ويروى: طلين. يصف دروعا، وأنهن قد طلين بالزيت، ظاهرها، وباطنها بالبعرات، لأنه إذ ذاك أشد ما يكون. فالدروع حينئذ، بمنزلة الغدران، صافيات الغلائل. ويروى الغلاغل. فقد يكون: جمع: غلغلة، وقد يكون جمع: غلالة: وهي التي تحتها. والغلاغل أيضا: الماء الذي تحت الأشجار. والكرّة: البعر. والإضاء: الغدران. وهو قد أنشد هذا البيت، ولم يفسره. والله أعلم.

  [قال أبو الفتح]: وأما الجملة، فهي: كل كلام مفيد، مستقل بنفسه. وهي على ضربين: جملة مركبة من: مبتدأ، وخبر. وجملة مركبة من: فعل، وفاعل. ولا بد لكل واحدة من هاتين الجملتين، إذا وقعت خبرا عن المبتدأ، من ضمير يعود إليه منها. تقول: زيد قام أخوه. فزيد مرفوع بالابتداء، والجملة بعده خبر عنه. وهي مركبة من فعل، وفاعل. [قلت]: إنما كان الضمير في الجملة لا بد منه، لأن الجملة أجنبية من المبتدأ. فإذا جاء الضمير ربطها به، وكان كالجزء منه.

  والجملة إذا وقعت خبرا عن المبتدأ، فليست بأصل، وإنما هي مقدرة تقدير المفرد، لأن المبتدأ، والخبر، نظير الفعل، والفاعل. فقولك: زيد قائم. نظير قولك: قام زيد فكما أن قام زيد جزءان، فكذلك: زيد قائم. فإذا قلت: زيد قام أخوه، أو قلت: زيد أبوه قائم، فالجملة في تقدير المفرد، حتى يكون الكلام من جزءين، ويكون طبقا للجملة الأخرى. ألا ترى أن الجملة الأخرى جزءان، فمن المحال أن تكون هذه ثلاثة أجزاء فإذن هذان الجزءان المركب منهما الخبر في تقدير جزء واحد.

  [٢٩ / ب] [فإن قال قائل]: فإن الفاعل قد جاء أيضا، جملة. قال تعالى: {ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ


(١) الأصل غير واضح.

(٢) ١٢: سورة يوسف ٨٢.

(٣) البيت من الطويل، للنابغة الذبياني، في: ديوانه ٧١، واللسان (وضا) ١: ١٩٥، و (كرر) ٥: ١٣٧، و (غلل) ١١: ٥٠٢، والخزانة ٣: ١٦٧.

وبلا نسبة في ابن يعيش ٥: ٢٢.

كديون: دردي الزيت، تجلى به الدروع.