كتاب شرح اللمع في النحو،

ابن جني (المتوفى: 392 هـ)

باب خبر المبتدأ

صفحة 118 - الجزء 1

  ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ} (٣٥)⁣(⁣١)، فقوله: ليسجننه، في موضع الرفع: فاعل بدا. فكيف زعمت أن الجملة من الفعل، والفاعل، لا تكون من ثلاثة أجزاء، وكذا جاء أيضا، فيما قام مقام الفاعل، نحو قوله: {وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ}⁣(⁣٢) {وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا}⁣(⁣٣). ألا ترى أن الجملة في موضع الرفع، أقيم مقام فاعل (قيل). فهذا نظير قولهم: زيد أبوه قائم. فالجملة في كلا البابين أصل. [قلت]: إن الجمل نكرات. ولا تكون فاعلة، إذا لا فائدة فيها. أعني في الإخبار عما لا يعرف، ولا يضبط، ولأن الفاعل يضمر، والمضمر أعرف المعارف. فلا تقوم الجملة مقامه. فلا يجوز أن يكون الفعل، في قوله: (بدا لهم) مسندا إلى قوله: (ليسجننّه)، لأن قوله: (ليسجننّه) جملة. وإذا كان كذلك، ففاعل بدا: مضمر، دل عليه بدا، لأن (بدا) فعل، والفعل يدل على المصدر، فكأنه قال: ثم بدا لهم بداء. [قال الشاعر]:

  ٦٢ - أظنّك، والموعود حق لقاؤه ... بدا لك من تلك القلوص بداء⁣(⁣٤)

  وقال: إذا كان غدا، فائتني. أي: إذا كان ما تريد غدا فائتني. فأضمر. وكذلك قوله: (وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض). أي: وإذا قيل لهم القول. وذكر الفعل ذكر المصدر. وقد مضى بعض ذلك. [قال الشاعر]:

  ٦٣ - وما أراها تزال ظالمة ... تظهر لي قرحة وتنكؤها⁣(⁣٥)

  فأراها، أي: فأرى الرؤية، فأضمر المصدر. وأراها اعتراض. وتقديره: وما تزال ظالمة أراها، وأظنها. وليس هذا كقوله تعالى: {وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ}⁣(⁣٦)، لأن نراك، هناك عدّي إلى كاف المخاطب، فلا بد للمفعول الأول، وهو الكاف من المفعول الثاني، وهو الجملة التي بعده. وإذا عدي إلى أحد المفعولين. لم يكن اعتراضا، ولم يكن ملغى. ألا ترى أنك، إذا قلت: زيد خلت قائم، لم تنصب ب (خلت) أحد المفعولين، فثبت أن (أراها) في البيت، أي: أرى الرؤية، وهي اعتراض، ملغى. [قال الشاعر]:

  ٦٤ - وما خلت أبقى بيننا من مودة ... عراض المذاكي المسنفات [٣٠ / أ] القلائصا⁣(⁣٧)


(١) ١٢: سورة يوسف ٣٥.

(٢) ٢: سورة البقرة ١١.

(٣) ٢: سورة البقرة ١٣.

(٤) البيت من الطويل، لمحمد بن بشير الخارجي، في: اللسان (بدا) ١٤: ٦٦، والخزانة ٩: ٢١٣، ٢١٥.

وبلا نسبة في: الخصائص ١: ٣٤٠، وأمالي القالي ٢: ٧١، وشرح شذور الذهب ١٦٧، والمغني ٢: ٣٨٨، وهمع الهوامع ٤: ٥٢.

(٥) البيت من المنسرح، لابن هرمة، في ديوانه ٤٨.

وبلا نسبة في: المغني ٢: ٣٩٣، وهمع الهوامع ٢: ٦٦، والخزانة ٩: ٢٣٧.

(٦) ١١: سورة هود ٢٧.

(٧) البيت من الطويل، للأعشى، في ديوانه ١٥١.

المذاكي: / الخيل التي بلغت أسنانها، ومنه المثل: (جري المذكيات غلاب) اللسان (ذكا) ١٤: ٢٨٨، المسنفات: المتقدمات، ومنه: فرس مسنفة، إذا كانت تتقدم الخيل في سيرها. العباب: الفاء (سنف) ٢٩٥.

القلائص: جمع قلوص، من الإبل: الشابة. التاج (قلص) ١٨: ١١٩.